مارتن آرنولد وجابريل ويلداو- فاينانشل تايمز في الوقت الذي تشتد فيه حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، هناك توقع متزايد بأن الأضرار الجانبية قد تطال بورصة وول ستريت، وتُحدِث الاضطراب في خطط المصارف في الولايات المتحدة، التي تهدف إلى التوسع في البر الرئيس في الصين.
منذ أن رفعت السلطات الصينية سقف الملكية الأجنبية لتداول الأوراق المالية وشركات إدارة الصناديق من 49 في المائة إلى 51 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي، تدافع كثير من أكبر المصارف في العالم من أجل السيطرة الكاملة على عملياتها التشغيلية في الصين.
يرى المصرفيون أن القدرة على امتلاك أكثر من 50 في المائة من مشاريعهم في الصين أمر مهم، لأنها تمنحهم سيطرة تامة على الإدارة، بما في ذلك توظيف الموظفين، وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، وضوابط الامتثال.
مع ذلك، قال عدد من التنفيذيين في المصارف لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن المصارف الأمريكية ربما تجد نفسها في وضع غير موات اليوم، لأن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين يمكن أن تعمل على تأجيل أو منعهم من الحصول على الموافقة لزيادة حصصهم في الصين.
قال كارستين ستويهر، الرئيس التنفيذي المختص في الصين الكبرى لدى بنك A سويس: "إن تصاعدت الحرب التجارية والرسوم الجمركية، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تسمح الجهات المنظمة بربط التحرير التنظيمي مع اللغة الطنانة في التجارة. نيل السيطرة على الإدارة وحصة نسبتها 51 في المائة فرصة جذابة جدا من وجهة نظر استراتيجية، خاصة إن كانت تؤدي في نهاية المطاف إلى الحصول على فرصة لرفع النسبة إلى 100 في المائة".
تأمل المصارف الأوروبية في أن يصب التوتر الدبلوماسي بين الصين والولايات المتحدة في صالحها من خلال السماح لها بالتقدم على المنافسين الأمريكيين في السوق الصينية سريعة النمو.
قال فريديريك أوديا، الرئيس التنفيذي لبنك سوسييتيه جنرال: "نظرا للتوترات القائمة بين الولايات المتحدة والصين، لدي تساؤل حول ما إذا كانت المصارف الأمريكية ستكون أصلا قوية إلى هذه الدرجة في الصين. نحن في عالم حيث يحاول الجميع إظهار مدى قوته".
حتى الآن، تقدمت ثلاثة مصارف لزيادة حصصها في مشاريع مشتركة في الأوراق المالية الصينية لتصل إلى 51 في المائة – بنك يو بي إس السويسري، ونومورا الياباني، وجيه بي مورجان تشيس الأمريكي.
قال أحد المصرفيين في بنك منافس إنه ليس من المفاجئ أن يكون أول مصرف قد تقدم بطلبه هو يو بي إس – "ليس مصرفا أمريكيا، بل هو مصرف أوروبي" – في مطلع أيار (مايو) الماضي، تماما عندما بدأت الولايات المتحدة والصين تصعيد الخطاب حول الحرب التجارية بينهما.
كثيرا ما يستخدم تحرير الأنظمة من قبل الصين كأداة للمساومة السياسية. الشهر الماضي، تلقى القسم التابع لـ"دويتشه بانك" في الصين ترخيصا طال انتظاره لاكتتاب السندات في سوق الصين الداخلية، بعد أيام من زيارة رئيس الوزراء لي كي كيانج إلى ألمانيا.
يمتلك كل من مصرفي جولدمان ساكس وسيتي جروب 33 في المائة من مشاريع الأوراق المالية الصينية، في حين زاد بنك مورجان ستانلي العام الماضي من حيازاته لتصل إلى 49 في المائة. قالت المصارف الثلاثة إنها تعتزم الاستفادة من القواعد الجديدة لتصل إلى نسبة 51 في المائة.
قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي المقبل لبنك جولدمان، في مقابلة مع تلفزيون وكالة بلومبيرج أخيرا: "أنا لا أجيد التكهن حول ما يمكن أن يحدث فيما لو اندلعت حرب تجارية شاملة. نحن نمضي قدما على أساس أنه من الجيد بالنسبة لنا مواصلة الاستثمار في أعمالنا، ونتطلع إلى تقديم طلبنا بأسرع
وقت ممكن".
لا يمتلك "بانك أوف أمريكا" مشروعا مشتركا للأوراق المالية في الصين، لكنه منذ أربع سنوات يعمل على إعداد خطة لتأسيس أعمال مدمجة تماما في الصين، وفقا لشخص مطلع على المسألة. قال هذا الشخص: "المشاريع المشتركة تعيسة. عندما يسمحون لنا بامتلاك ما نسبته 100 في المائة، فمعنى ذلك أنهم ينفتحون على الأعمال، لكن أي نسبة أخرى عدا ذلك، هي مغالطة كاملة".
وقال تنفيذي في مقره في شنغهاي يعمل لدى أحد المصارف الأوروبية إن الخطوات الأخيرة بتحرير الخدمات المصرفية في الصين "ليست كافية – فهي أقل مما يجب وجاءت بعد فوات الأوان".
عدم القدرة على امتلاك حصة أغلبية تسبب في تردد المصارف الأجنبية في دخول الصين، حيث كانت المصارف تعاني بسبب انخفاض الربحية ومحدودية الحصة السوقية.
في المتوسط، حققت المصارف الأجنبية عائدات على الأسهم بلغت نسبتها نحو 7 في المائة في الصين في السنوات الأخيرة، وهي نصف العائدات التي حققتها المصارف الصينية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة، وفقا لشركة كيه بي إم جي العالمية للتدقيق.
الإيرادات من تداول الأوراق المالية هي أكبر شريحة من حصيلة إيرادات المصارف الأجنبية في الصين، لكن هذه الإيرادات تراجعت منذ عدة سنوات – ليس بسبب ضعف أحجام التداول في سوق الأسهم فحسب، بل أيضا لأن هوامش الوساطة آخذة في التراجع بسبب المنافسة.
قال آرثر وانج، رئيس الخدمات المصرفية في شركة كيه بي إم جي في الصين: "بالنسبة للجهات الأجنبية، فإن محاولة تحقيق أرباح من الوساطة نهج غير مثالي. حتى بالنسبة للجهات المحلية، الدخل من أعمال الوساطة المالية آخذ في الانخفاض، والمنافسة شديدة للغاية. من المناسب أكثر النظر إلى مجالات النمو مثل إدارة الثروات".
لدى المصارف الأجنبية حصة بنسبة تعادل نحو 2 في المائة من سوق الخدمات المصرفية الصينية بحسب الأصول. وهذه الحصة أعلى في إيرادات الرسوم المصرفية الاستثمارية، لكن حتى في هذا المجال كانت الحصة آخذة في التراجع من أكثر من 60 في المائة، عندما فتحت الصين في البداية ذلك القطاع في عام 2006، إلى أقل من 30 في المائة هذا العام.
قال يوجين كيان، رئيس الأوراق المالية في بنك يو بي إس في الصين: "هنالك أكثر من 100 شركة مرخصة للتداول في الأوراق المالية الصينية تعمل في البلاد. إذا كان لهذا الرقم أن يتقلص من خلال دمج الصناعة ليصل إلى عدد يقع مثلا بين 30 إلى 40 شركة من الشركات المحلية الرئيسة، فإن الأمر قد يحتاج إلى خمس سنوات فأكثر، وستكون الشركات الأجنبية في وضع أفضل للمنافسة في البر الصيني".
أحد المصارف الأجنبية التي تتميز عن غيرها في الصين هو بنك إتش إس بي سي، الذي أصبح العام الماضي أول بنك يطلق مشروعا مملوكا بالأغلبية للأوراق المالية في شنزن.
بنك إتش إس بي سي، الذي حقق في العام الماضي أرباحا قبل حسم الضرائب بلغت 625 مليون دولار من قسمه في البر الرئيس في الصين، يمتلك أيضا مصرفا تجاريا ولأعمال التجزئة مملوكا بالكامل في الصين، إضافة إلى مشاريع مشتركة في إدارة الأصول والتأمين.
قالت هيلين وونج، رئيسة قسم الصين الكبرى في بنك إتش إس بي سي: "بالنسبة لهذه المصارف الأجنبية التي لم تتم الموافقة عليها وتمنح التراخيص، ستكون بحاجة إلى الاتفاق مع الشريك الخاص بها لزيادة حصتها من الأسهم، وتحديد آلية العمل مع المستثمر الأجنبي للحصول على ملكية الأغلبية".
توقع بيل وينترز، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد، أن مصرفه والمنافس الأكبر بنك إتش إس بي سي سيحصلان على ميزة في الصين، بسبب جذورهما المشتركة في شنغهاي، الذي قال إنها ستساعدهما في اكتساب مكانة قوية في تداول الرنمينبي.
وأضاف وينترز: "على المدى الطويل، وبينما سيصبح الرنمينبي من العملات الاحتياطية في نهاية المطاف، سترغب الصين في وجود أشخاص لديهم مركز طبيعي في تلك الأسواق للوصول إلى أسواق رأس المال. إلا أنه لن يكون مصرفا أمريكيا في الصين، بل سيكون مصرفا صينيا في الصين.
هناك استثناء واحد، هو أنه ربما سيكون هناك أي من مصرفي إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد أو كليهما، إن أجدنا إدارة اللعبة".