19.44°القدس
19.21°رام الله
18.3°الخليل
25.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.21°
الخليل18.3°
غزة25.47°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

أصدقاء السوشيال ميديا.. ارحلوا فالمسرحية لا تتسع لأدوار جديدة

533 (1)
533 (1)
وليد حاجي

في رحلتي بحثي المستمرة عن الأشياء الجميلة التي تصارع من أجل البقاء في زمن شبكات التواصل الاجتماعي، وجدت كلمة صديق، لفظ ألبسته التكنولوجيا عنوة عباءة التطور المزعوم، فتغير مفهومه من شخص تعرفه معرفة اليقين وتقتسم معه أشياء كثيرة إلى اسم أو رقم على قائمة صداقات السوشيال ميديا.

حولت المفاهيم التي أدخلتها الشبكة العنكبوتية الصداقة إلى مجرد ضغطة زر، صداقة لا حدود فيها ولا شروط، أصدقاء لا تعرفهم ولا يعرفونك، قد لا تتحدث معهم ولا يتحدثون معك، أسماء مستعارة، شخصيات وهمية، أنا شخصيا حاولت مرارا أن أضع هذا الكم الهائل من الأسماء والشخصيات التي تجوب دروب شبكات التواصل الاجتماعي في كفة الأصدقاء، فلم أستطع، لأنني أرى أنها صداقات زائفة، وغثاء كغثاء السيل، وتشبه إلى حد بعيد سمكة أفريل، والتي رأسها في الفاتح من شهر جانفي وذيلها في آخر يوم من شهر ديسمبر.

الصداقة الحقيقية هي علاقة نبيلة تجمع بين البشر وتألف بين أرواحهم وأفكارهم وتصوراتهم، وهي سد منيع يقف في وجه الزمن، ونادرا ما نجد شخصا لا يملك صديقا يعتبره صندوقه الأسود الذي يدفن فيه أسراره وأحزانه، كن صديقي بمعنى كن أخا لم تلده أمي، الصداقة أسمى من أن يتم حصرها في عدد من اللايكات أو الرسائل أو التعليقات، لأن شخصيات شبكات التواصل الاجتماعي طالما نثرت الوهم والكذب والنفاق في طريق الكثيرين، وفي مجتمعاتنا العربية كثيرا ما نخلط بين المفاهيم والمعاني، وما بين الظاهر والجوهر، لذلك صنعنا من حبال السوشيال ميديا مشنقة لكثير من الأشياء الجميلة التي كانت موجودة في حياتنا، ومنحنا هذا العالم الافتراضي حصة الأسد من يومياتنا، قد لا تجالس أصدقاءك الحقيقين لأيام وأسابيع، وتمنح أصدقاء الوهم وقتك وتفكيرك وتشاركهم أراءك وتوجهاتك، صداقة تنتهي كما بدأت بضغطة زر.

فهل يمكن أن نتجه لتسيير علاقاتنا الإنسانية إلكتروينا؟ هل يمكن أن نرضخ لوحش التكنولوجيا المفترس ونفقد حميمية اللقاء بأصدقائنا؟، مواقع التواصل الاجتماعي مملكة من سراب، تسمح لصداقات زائفة أن تقتحم حياتك، وربما تفقد بسببها صداقاتك وعلاقاتك الحقيقية، فناجين من القهوة، صديق يشد على يدك، يقتسم معك لحظات الفرح والحزن، همس وأحاديث وذكريات، قهقهات تتعالى، كلها صور لا يمكن للتكنولوجيا مهما بلغت من التطور أن تملأ فراغها، من السهل أن تغلق حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي وترمي بمن منحتهم شرف لقب صديق في مقبرة النسيان، لكن من الصعب أن تطوي ورقة واحدة في كتاب صداقاتك وعلاقاتك الحقيقية، لأن هذه الأخيرة ستضعها في ميزان الزمن وفي خارطة الروح، وستعرف الفرق بين الواقع وخشبة مسرح تتنوع فيها الشخصيات والسيناريوهات، مسرح مخرجه الوحيد هو الصدفة، مفتوح على جميع الاحتمالات.

صديق حقيقي واحد يسمعك ويكتم سرك ويحارب لأجلك، كأنك أنت في جسد وصورة أخرى أفضل من جيوش من أصدقاء الوهم على شبكات التواصل الاجتماعي، فلا تقتسم دربك إلا مع من يستحق، أرسم حدود علاقتك بدقة وفقا لمبادئك وأخلاقك، ولا تكن كفأر تجارب في معترك الحياة، فعجلة الزمن دائرة، ولا يمكن أن تمنحك فرصة الرجوع لنقطة البداية، لذا فاختر دائما صديقا صدوقا يكون مرآة لذاتك، وينير دربك، وسندا يدعمك في لحظات ضعفك، وكن أنت أيضا الصديق الذي تشتهيه، وحاول أن تكون مثاليا في علاقاتك إلى أبعد الحدود، حتى لا تقف يوما ما لتداوي آثار جروح كانت فاتورة لسذاجتك أو تسرعك أو فهمك الخاطئ لمعنى الصداقة أحد أسمى العلاقات في الكون، وفي الأخير تستحضرني مقولة للشاعر الفلسطيني محمود درويش "هل في وسعي أن أختار أحلامي لئلا أحلم بما لا يتحقق"، وأنت في وسعك أن تختار أصدقاءك، فاختر من يستحق هذا اللقب.