يصادف اليوم الذكرى الـ 17 على اغتيال الاحتلال الصهيوني الشيخ أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي رحل بعد رحلة حافلة بالعطاء والتضحيات.
واغتالت طائرات الاحتلال الشيخ ياسين، فجر يوم الـ 22 آذار/ مارس 2004، بعد خروجه من صلاة الفجر، في مسجد "المجمع الإسلامي" بحي الصبرة، في مدينة غزة القريب من منزله، واستشهد برفقة تسعة من المصلين.
رحل شيخ فلسطين وبقيت سيرته نبراسا يضيء طريق السالكين نحو الحرية، وزرعه (حماس) تكبر وتراكم الإنجازات نحو فجر التحرير والنصر.
الميلاد والنشأة
ولد الشيخ أحمد إسماعيل حسن ياسين "أبو محمد" في فلسطين بقرية الجورة قضاء مدينة عسقلان في يونيو عام 1936م.
نشأ الشيخ ياسين في أسرة متدينة مستورة الحال تعمل في الفلاحة والصيد، تُوفي والده وهو لم يتجاوز الخمس سنوات من عمره.
تعرض الشيخ لحادثة أليمة وهو في السادسة عشرة من عمره أدت إلى شلله الجسدي، حيث كان يمارس رياضة الجمباز على شاطئ بحر غزة مع أقرانه في منتصف يوليو من عام 1952م عندما سقط على رقبته التي كُسر منها فقرات من العمود الفقري ليبقى ياسين يصارع هذا الشلل حتى استشهاده.
الدراسة والعمل
بدأ ياسين حياته الدراسية في قرية الجورة حتى الصف الرابع الابتدائي، انقطع عن الدراسة ثلاث سنوات متتالية؛ وذلك بسبب الفقر المدقع الذي طال أسرته بعد الهجرة، ما دفعه إلى العمل ليساهم في إعالة أسرته مع إخوته الكبار.
أكمل بعدها دراسته الابتدائية بمدرسة الإمام الشافعي بغزة، والإعدادية بمدرسة الرمال التي تعرف اليوم بالكرمل، ثم الثانوية بمدرسة فلسطين التي حصل منها على شهادة الثانوية العامة في يونيو عام 1958م.
عُين مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في مدراس الحكومة في الرابع من أكتوبر في العام الذي حصل فيه على شهادة الثانوية العامة بعد نجاحه في الاختبار الذي عُقد لأكثر من ألف وخمسمائة متقدم لوظيفة التدريس، وبعد أن رفض مستشار الحاكم محمود شهاب تعيينه بسبب ضعفه الجسدي، أصرَّ الحاكم على تعيينه معللاً ذلك بأنَّه ملك عزيمةً قويةً من أجل إتمام دراسته أفلا يستحق أن يُعين مدرساً.
درس ياسين الثانوية العامة مرة أخرى عام 1964م؛ ليلتحق بجامعة عين شمس بقسم اللغة الإنجليزية في مصر، ولكنَّه لم يُمضِ بها سوى سنة واحدة وذلك بسبب منعه من دخول الأراضي المصرية بذريعة نشاطه الإسلامي الذي اعتقلته السلطات المصرية على إثره أثناء الاعتقالات التي تعرض لها الإخوان المسلمون عام 1965م.
حياته الأسرية
تزوج الشيخ أحمد ياسين عام 1961م، أنجب ولدين ولكنهما تُوفيا سريعاً ثم منَّ الله عليه بثلاثة أبناء وثماني بنات.
سكن ياسين مع عائلته التي هاجر معها من قرية الجورة معسكر الشاطئ بمدينة غزة بعد تنقلات عدة بين غزة والوسطى، ليستقر به المقام بمنطقة الصبرة بالقرب من مسجد المجمع الإسلامي بغزة حتى استشهاده.
سماته
تميز الشيخ ياسين بالعديد من السمات التي كانت تلازمه طيلة حياته رغم اختلاف الظروف التي كان يحياها داخل وخارج المعتقلات الصهيونية، أبرزها:
• مكارم الأخلاق، أهمها: سعة الصدر في حسن استقباله للناس والسعي إلى قضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم، والزهد في الدنيا رغم عروض الدنيا التي قُدمت له لتحسين بناء منزله البسيط، وروح الدعابة، والإنفاق في سبيل الله رغم دخله المحدود.
• الإرادة والعزيمة القوية التي تمثلت في إصراره على إكمال الدراسة ومقاومة المحتل والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والعيش من أجل الآخرين رغم الأمراض الكثيرة التي حلت به وعلى رأسها الشلل الرباعي.
• الحكمة في إدارة التنظيم الإسلامي وتفويت الفرص على أعدائه من أجل القضية الفلسطينية التي تستلزم الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
• حدة البصيرة في قراءة مجريات الأمور التي تخص القضية الفلسطينية على اختلاف مستوياتها، والتعامل معها بطريقة متوازنة مكنته من تحقيق نجاحات كثيرة لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
• صلابة الموقف من أجل الفوز برضا الله سبحانه وتعالى من خلال الدعوة إلى منهجه القويم، وعدم التنازل عن شبرٍ واحد من تراب فلسطين العزيزة، ومحاربة الفساد والمفسدين في الأرض مهما كانت النتائج والعواقب المترتبة على ذلك.
محطات مهمة في حياته
نذر الشيخ ياسين نفسه من أجل دينه ووطنه فكانت حياته كلها مواقف ومحطات مهمة، أبرزها:
• اعتقل لمدة شهر واحد على يد السلطات المصرية في ديسمبر عام 1965م بتهمة نشاطه الإسلامي وحيازته كتاب خلق المسلم.
• اعتقل على يد سلطات الاحتلال الصهيوني عام 1984م بتهمة حيازة السلاح، حكم عليه بالسجن 13 سنة، لم يُمضِ منها سوى أحد عشر شهراً، حيث أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل للأسرى جرت بين الكيان والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة في 20/5/1985م.
• أسس حركة المقاومة الإسلامية حماس في ديسمبر عام 1987م بهدف مقاومة الاحتلال الصهيوني وتحرير المسجد الأقصى المبارك.
• اعتقل في 18/5/1989م من خلال اعتقالات واسعة لقيادات حركة حماس بسبب تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
• حُكمَ عليه بالسجن مدى الحياة وخمسة عشر عاماً بتهمة تأسيس الجناح العسكري لحماس المسؤول عن اختطاف جنود صهاينة وقتلهم.
• أُفرج عنه في الأول من أكتوبر عام 1997م من خلال صفقة عُقدت بين الملك حسين العاهل الأردني، والكيان الصهيوني مقابل تسليم عميلين من الموساد الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
• فرضت السلطة الفلسطينية عليه الإقامة الجبرية مرتين بتحريضٍ من سلطات الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد "إسرائيل"، فكانت الأولى في ديسمبر عام 2001م، والثانية في يونيو عام 2002م.
• نجا من محاولتي اغتيال من الاحتلال الصهيوني، الأولى كانت في شهر رمضان عام 2002م بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، والثانية في 6/9/2003م بشقة سكنية في وسط مدينة غزة.
أهم إنجازاته
المشاركة في تأسيس جمعية المجمع الإسلامي عام 1979م بغزة بهدف إسلامي ثقافي اجتماعي رياضي.
• المشاركة في تأسيس الجمعية الإسلامية عام 1976م بغزة بهدف نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة.
• المشاركة في تأسيس الجامعة الإسلامية عام 1978م بهدف تعزيز الانضباط الإسلامي بين طلبة الجامعة، وشارك بقوة في الحفاظ على هويتها الإسلامية بعد ما تعرضت لمحاولة لتغييرها من المنظمات الشيوعية والعلمانية.
• شارك في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس عام 1987م، وكوّن مجموعات أمنية وعسكرية أشرف على عملها كانت تعرف باسم "المجاهدون الفلسطينيون" وسرعان ما تحولت إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام.
• شارك في تأسيس مدارس دار الأرقم عام 2000م بهدف تخريج جيل قرآني فريد من أجل إرجاع مجد الأمة التليد.
• أسس لجان الإصلاح بقطاع غزة بعد خروجه من السجن عام 1997م بهدف فض النزاعات بين الناس، وتعزيز روح الحب والمودة بينهم من أجل الحفاظ على قوة الجبهة الداخلية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
جهاده
بايع الشيخ ياسين جماعة الإخوان المسلمين عام 1954م واستمر وزملاؤه في العمل الدعوي والجهادي رغم المضايقات العنيفة ورغم اعتقاله من السلطات المصرية عام 1965م بتهمة نشاطه الإسلامي البارز وحيازته كتباً إسلامية فكرية، حتى ما بعد منتصف الستينيات حيث شهدت المنطقة العربية هزيمة عام 1967م واحتلال قطاع غزة بالكامل، فكان لذلك ألمٌ كبير بين أوساط الشعب الفلسطيني، ما دفع الشيخ للعمل الإسلامي بمواجهة الاحتلال من خلال التعبئة والتنظيم لتكوين نواة صلبة تستطيع مواجهة العدو عسكريًّا وأمنيًّا.
وأسس الشيخ مع ثلة من إخوانه حركة المقاومة الإسلامية حماس عام 1987م بهدف تحرير فلسطين.
من أقواله:
• من لم يتخذ الإسلام سلاحه في مواجهة اليهود فهو مهزوم.
• إنَّ "إسرائيل" قامت على الظلم والاغتصاب، وكل كيان يقوم على ذلك مصيره الدمار، لأنَّ الفساد لا يدوم في الأرض.
• أملي أن يرضى الله عني، ورضاه لا يكتسب إلا بطاعته، وطاعة الله تتمثل في الجهاد من أجل إعلاء كلمته ومن أجل تطهير أرض الله من الفساد الذي يقيمه أعداء الله في الأرض، فإذا ما حققت الهدف الأول، وهو تطهير الأرض الإسلامية من الاغتصاب، وقام عليها النظام الإسلامي فهذه هي أمنيتي التي أسعى إليها، وأرجو الله أن ألقاه عليها، فإذا تحققت فذلك فضله، وإن مت قبل أن تتحقق فقد بدأت الطريق وخطوت خطوات، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
استشهاده
استشهد الشيخ أحمد إسماعيل ياسين فجر الإثنين الموافق الثاني والعشرين من مارس عام 2004م وسبعة آخرون بينهم مؤمن نجل الدكتور إبراهيم اليازوري أحد مؤسسي حماس.
أوفياء لنهجه
سارت حركة حماس على نهج الشيخ ياسين من الدعوة للوحدة الوطنية والتمسك بها، ولم تكتفِ برفع شعارات الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتماسك البيت الداخلي الفلسطيني فقط، بل ترجمت ذلك واقعاً عمليا وملموساً على الساحة الفلسطينية عبر سلسلة طويلة من العمل المشترك مع الفصائل كافة.
وواصلت حماس مساعيها بالجهود كافة للوصول إلى الوحدة الوطنية، ونجحت جهودها في تجسيد شراكة وطنية حقيقية تمثلت في مسيرات العودة وكسر الحصار، حيث لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني يخوض نضالًا موحدًا بكل الفصائل دون استثناء، وبمشاركة نخب الشعب وقواه المدنية والعشائرية.
كما رسخت حماس الوحدة الوطنية بشكل حقيقي عبر تشكيل غرفة العمليات المشتركة التي كانت حلمًا، وقد تحقق هذا الحلم وأصبحت مواجهة الاحتلال عسكريًّا تقوم وفق سياسة واحدة، وقد مارست الغرفة مهامها بنجاعة كاملة، وأربكت حسابات العدو الصهيوني.
وفي وثيقتها السياسية، أكدت حماس إيمانها وتمسكها بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني.
وتسعى الحركة جاهدة إلى توحيد بوصلة الجميع نحو الهدف الأوحد وهو طرد الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته، مؤكدةً ضرورة الوقوف صفاً متماسكاً ويداً بيد من أجل دحره عن الأرض الفلسطينية المحتلة.
وترى أن أمثل طرق إدارة الصراع مع الاحتلال، هو العمل المقاوم الموحد والمشترك وحشد طاقات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال بكل الوسائل وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة معه.
وفي الذكرى السادسة عشرة على اغتيال مؤسس حركة حماس، لا تزال الحركة يدها ممدودة إلى القوى والفصائل الفلسطينية كافة للتوحد على برنامج وطني يحمي المقاومة ويحافظ على الثوابت الوطنية من أجل دحر المحتل الغاصب ونيل الشعب كل حقوقه المشروعة.