شيع أهالي قرية مدينة الحسينية بمحافظة الشرقية، شمالي شرقي مصر، جثمان السيدة هدى عبد الجواد (27 عامًا)، أو "عملاقة مصر" كما لقبتها وسائل الإعلام بعد دخولها موسوعة "غينيس" العالمية للأرقام القياسية.
في يونيو الماضي، أعلنت "غينيس" عن تحطيم محمد وهدى عبد الجواد خمسة أرقام قياسية، إذ نجح محمد في تسجيل رقمين قياسيين هما: أوسع مدى لذراعي رجل على قيد الحياة بـ 250.3 سنتيمتر، وأعرض مدى ليد رجل على قيد الحياة بـ 31.3 سنتيمتر عن يده اليسرى.
وحطمت هدى ثلاثة أرقام قياسية وهي: أكبر يد لامرأة على قيد الحياة، حيث بلغت يدها اليسرى 24.3 سنتيمتر، وأكبر قدم لامرأة على قيد الحياة بـ 33.1 سنتيمتر لقدمها اليمنى، وأوسع مدى لذراعي امرأة على قيد الحياة بـ 236.6 سنتيمتر.
"عمالقة مصر" كان لديهما أمل أن يكون دخول موسوعة غينيس بداية الخروج من النفق المظلم، إلا أن موت غيب هدى، لتترك محمد يحارب الظروف وحده دون رفيقة رحلته التعيسة، على حد تعبيره.
الأيام الأخيرة
بصوتٍ يتهدج من البكاء، تحدث محمد شقيق "هدى عبد الجواد"، كاشفًا كواليس الأيام الأخيرة في حياتها.
يقول "عملاق مصر": "استمر جسد شقيقتي في التعملق أكثر وأكثر، نتيجة لخلل إفراز هرمونات النمو الذي نعاني منه منذ الطفولة، ومع محاربة الفشل الكلوي، أصبحت هدى حبيسة الفراش، لا تستطيع مغادرته، حتى توفيت منذ ساعات".
ويضيف محمد عبد الجواد (33 عامًا): "سيطر اليأس على شقيقتي في أيامها الأخيرة، كان لدينا أمل أن يكون دخول موسوعة غينيس كافيًا لتسليط الضوء على ظروفنا الصعبة، إلا أنها سُلطت علينا يومًا واحدًا فقط، وبعد ذلك ظلت الظروف كما هي.. لم يتغير شيء، واستمرت معاناتنا التي لا يدركها سوى أهالي قريتنا".
"أخشى مواجهة مصير شقيقتي".. هكذا عبر محمد عبد الجواد عن مخاوفه، موضحًا: "جسدي لا يتوقف عن النمو، ولا يمكنني الخروج من قريتي، لأنه لا توجد وسائل مواصلات مناسبة، ولا يريد أحد توظيفي خوفًا من هيئتي، أخشى أن يسيطر عليّ اليأس، وأقضي الأيام المتبقية في حياتي حبيس الفراش، حتى ينهي الموت معاناتي".
أثر فقدان الوالدين على الطفل
ويشير عبد الجواد إلى عشرات الوعود التي تلقاها هو وشقيقته عقب دخول موسوعة "غينيس"، والتي لم يتحقق منها شيئا، قائلًا: "كان الجميع يبحث عن (الترند) وعدد مشاهدات مرتفع، وبمرور الأيام اختفى الجميع، وواجهنا معاناتنا بمفردنا، واليوم سقطت هدى، وقد يأتي الدور عليّ في أقرب وقت".
وعن مطالبه، يقول عبد الجواد: "أريد أن يدرس المسؤولون حالتي، ويساعدوني على العيش كأي شخص آخر، وهو ما لم أنعم به طوال عمري.. أريد مساعدة طبية توقف جسمي عن التعملق أكثر، وتوفير وظيفة مناسبة لهيئتي".
ويختتم عبد الجواد: "لن أتوقف عن المطالبة بحقي في الحياة، والعيش كأي إنسان طبيعي، لكن أخشى أن ينهي اليأس والمرض محاولاتي، وأن أموت قبل تحقيق هذا الحلم".
أحلام لم تتحقق
في يونيو الماضي، وعلى هامش احتفال عمالقة مصر بدخول موسوعة غينيس، تواصل "سكاي نيوز عربية" مع هدى عبد الجواد، وكشفت خلال حديثها عن معاناتها وأحلامها المستقبلية، إلا أنها توفيت بعد قرابة ستة أشهر فقط.
قالت هدى عبد الجواد مسترجعة ذكريات الطفولة: " في الصف الرابع الابتدائي، كنت أنمو بشكلٍ مختلف عن زملائي، وكان هذا سببًا لتعرضي للتنمر من قبل التلاميذ وحتى الأساتذة، ولم أستطع تحمل ذلك، لأخبر والدتي برغبتي في مغادرة المدرسة، وإنهاء رحلتي التعليمية، وهذا ما كان".
وعانى الأخوان عبد الجواد من "قصور الغدة النخامية"، وهو اضطراب نادر، ينتج عنه خلل في إنتاج هرمونات الغدة سواء بالزيادة أو النقصان، وتؤثر على عدد من وظائف الجسم مثل: النمو، ضغط الدم والتكاثر.
وتابعت هدى: "أخرج من المنزل عند الضرورة فقط، والحقيقة لا أرغب في الخروج إلى الشارع مطلقًا، فحتى الذهاب إلى جلسات الغسيل الكلوي رفقة أخي محمد صار حملًا ثقيلًا على قلبي، قام أحدهم بتصويرنا منذ أيام، وهناك أطفال ألقوا علينا الحجارة، والتعليقات الساخرة ونظرات التعجب لا تتوقف طيلة الطريق، ولا نرغب أبدًا في الرد، ونكمل طريقنا في صمت، لكن بكثير من الألم بداخلنا".
وعن دخول "غينيس"، قالت عملاقة مصر: "نعتبر تلك الشهادات إشارة قوية لمن حولنا، بأن أجسادنا مميزة، وأن هذا الاختلاف ليس بأيدينا، وأن ما كان يستخدمه الآخرون مادة للسخرية، كان سببًا لدخول موسوعة عالمية معروفة مثل (غينيس)".
وأضافت عبد الجواد: "ما حدث خلال الأيام الأخيرة، جعلني أشعر للمرة الأولى بالتميز، وأنني لا أقل شيء عن بقية الفتيات، بل أن الخالق ميزني عنهم، لكنني ما زالت أخشى الخروج من المنزل، لكن أتمنى عند الخروج إلى الشارع أن تكون نظرة الناس إليّ قد تغيرت".
وعن أحلامها، قالت عبد الجواد: "أريد أن أحظى بحياة طبيعية، أرتدي فستان مناسب مثل الفتيات، أحصل على وظيفة مثل قريناتي، أتزوج رجلًا أحبه ويدرك أن هيئتي المخيفة للبعض هي قدري وليست اختياري".
ودعت هدى عبد الجواد عالمنا، وقد حاربت جاهدة أن تحب الحياة قدر الإمكان، إلا أن الموت قرر إنهاء معاناتها مبكرًا.