في مدينة نابلس، وتحديدًا في زقاق البلدة القديمة، ما زال الزائر يسمع صوت وذكر "القباقيب"، خاصة عند اقترابه من الحمامات التركية، أو دخوله لأحد المساجد، لكن الطلب عليها للاستخدام اليومي تراجع كثيرًا، إذ بات اقتناء "القبقاب" من باب الذكرى، أو في مناسبات قليلة. الحاج "وليد خضير" الذي ناهز الخامسة والستين من عمره يعد آخر صانع "للقباقيب" في فلسطين. تعود به الذاكرة لسنوات بعيدة مضت، حينما كان ينجز يوميا المئات من القباقيب الخشبية بأحجامها المتنوعة، التي كانت وحدها الحذاء المعتمد للغالبية العظمى من المواطنين آنذاك، لكنه اليوم يجلس أمام منجرته في السوق الشرقي لنابلس دون عمل تقريبا، بعدما حلت الأحذية الجلدية والبلاستيكية مكانها. يقول الحاج وليد لـ"[color=red]فلسطين الآن[/color]": "عمل جدي نجارًا في اللد قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م، وعندما قدمنا إلى نابلس بدأت أتعلم منه ومن والدي النجارة، وتحديدا صناعة القباقيب، فقد كان الحذاء الوحيد الذي يرتديه الناس، إضافة لكثافة الطلب عليه من الحمامات التركية التي كانت منتشرة في نابلس، وللمساجد خاصة للمتوضئات ولغيرها من الجهات". ويتابع "كنّا لا نتوقف عن صناعة القباقيب بأشكالها وأحجامها المختلفة، ويزداد الطلب في مواسم الأعياد ورمضان، وعند قرب افتتاح المدارس، فقد كان الناس بسطاء ويرضيهم أي شيء.. لكنهم كانوا يختارون القبقاب بعناية لأنه سيرافقهم لفترة طويلة". وأوضح ان القبقاب الخشبي أكثر متانة، ولا يبتل من المياه كونه مرتفع عن الأرض، كما أنه صحي كون القدم تتعرض للشمس والهواء، فهو أقرب إلى الحذاء الطبي. اليوم حسب خضير، يستطيع المواطن أن يشتري عدة أحذية لمناسبات مختلفة، حذاء للحفلات الرسمية وأخر للرياضة، وثالث للبيت، وهكذا.. أما سابقا فكان الناس فقراء ويشترون قبقابا واحد بخمسة أو عشرة قروش ويستخدمونه طوال الوقت تقريبا. [title]مراحل مختلفة[/title] طلبنا من "خضير" أن يصنع لنا قبقابا، فأتى بقطعة من شجر الصنوبر المتين الذي يتحمل الماء والرطوبة، وقصّها على المنشار الكهربائي إلى قطع مستطيلة، وهي الطريقة التي كانت سابقًا تتم بمنشار يدوي أو باستخدام المطرقة، وتستغرق وقتًا أطول. ومن ثم بدأ "خضير" بمهارة وصبر رسم طبعة القدم حسب المقاس المطلوب. يقول "المقاس الرجالي شبه موحد، إلا إذا جاء زبون ومقاس قدمه كبيرة، فهناك طبعة خاصة، ولدينا نماذج لمقاسات للصغار وللنساء أيضا". وعلى ماكينة القص، أزال الرجل بكل دقة الزوائد على الجوانب لإعطاء "القبقاب" شكله المعروف. لم تنته العملية بعد، فمراحل صناعة القباقيب كثيرة؛ أهمها تعريض القطعة الخشبية لماكينة "الحف"، لمنحه ملمسًا ناعمًا من الأمام ومن الجوانب. اختيار الجلد أمر هام أيضا، بحسب ما ذكر "خضير" خلال حديثه لـ"[color=red]فلسطين الآن[/color]"، فهو من "الكاوشوك" المرن والمتين بالوقت ذاته. يتمّ قصّ القطعة بحيث تناسب حجم القدم، ومن ثم يتم دقها بمسامير على جانبي القبقاب ليصبح جاهزًا. ومن أجل منحه منظرًا جميلًا، يتم طلاءه لمساعدة الخشب على مقاومة عوامل الجو. [title]"الحال واقف"[/title] وعندما سألناه فيما إذا كان يفكر في تعليم أحد أبناءه هذه المهنة، صمت قليلا ورد بصوت هادئ "هاي الشغلة بطلت تطعمي خبز". وتابع الحاج خضير "بطل حدا ييجي يطلب نفصله قبقاب، إلا إذا بدو إياه كأشي تراثي أو "موضة كلاسيك"، قالها بابتسامة. وأضاف "من يوم ما دخل الصيني على البلد وقف حالنا.. هذا الحكي من 15 سنة تقريبا.. صار أي حذاء بعشرة شيكل، وبتأخذه على الجاهز.. وبتقدر تشتري بدل الواحد خمسة،، فليش بدك تلبس قبقاب؟". وأعرب خضير عن أسفه لقرب اندثار هذه الصنعة التراثية، التي يرجعها المؤرخون إلى أيام الفاطميين والعثمانيين، حيث كان يستخدم بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية، وكان من الأشياء الأساسية في جهاز أي عروس خصوصًا في الريف. [title][url=http://paltimes.net/gallery/showalbum/92858/]اضغط هنا لمشاهدة ألبوم الصور[/url][/title]
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.