منطقة هادئة يخيّم عليها السكون، فلا هي في جو المدينة الصاخب، ولا حملت ملامح القرية الوديعة، تحمل ملامح مشوهة، لعبت الأيام فيها لعبتها فتركتها مسخا بلا ملامح. كان هذا حال وادي الغروس ووادي ابو عياش في المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة الخليل. كان الدخول إلى المنطقة عبر طريق سد أكثر من ثلثيها بمكعبات حجرية ضخمة، بالكاد يسمح بحركة المشاة عبره، مررنا عبر الحاجز المفرغ من الجنود حديثا، وانعطفنا يسارا مشيا على الأقدام بعد أن تركنا السيارة قبل الحاجز الحجري بقليل، فدخول سيارات الغرباء أو حتى سيارات أهالي المنطقة ممنوع من هذه الطريق. [img=062015/view_1435127239.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] كان الطريق فارغا تماما من المشاة والسيارات، ورغم وجود العديد من البيوت الفلسطينية على جانبي الطريق إلا انك بالكاد ترى عابرا للطريق، فهو شديد الخطورة حسب (هـ.س) من سكان المنطقة، فحتى سيارات الأهالي التي تحمل تصاريح لدخول المنطقة لا تستطيع مرور الشارع. دخلنا حديقة المنزل، كانت مليئة بأشجار التوت، وتحتها "مدعس" كان يستخدم لعصر العنب، أخبرتني بحسرة كنا نعصر العنب هنا قديما، وبعد تنهيدة طويلة، أكملت لكن الآن من أين نأتي بالعنب وقد صادر الاحتلال أكثر من12 دونما لعائلتنا كانت مزروعة كلها بالعنب لصالح المستوطنة..؟؟ [img=062015/view_1435127224.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] وتقول(هـ.س): منذ أربع سنوات منح الاحتلال 30 سيارة فقط لأهالي المنطقة تصاريح خاصة لدخول المنطقة، وقبل شهرين فقط سمح لعدد آخر بالحصول على تصاريح سيارات ليصبح مجموع السيارات المسموح لها بالمرور عبر الحاجز 100 تصريح في منطقة يزيد تعداد سكانها عن 20 ألفا، عدا ذلك تقف السيارات خارج المنطقة. وتضيف: وبعد الحصول على التصاريح فالمعاناة تتواصل، فكلما مررت على الحاجز الذي أعبره يوميا متجهة إلى عملي كموظفة أتعرض وسيارتي للتفتيش المذل، ويطلب مني جنود الاحتلال هويتي وأوراق السيارة والتصريح، حتى وإن اضطررت للمرور عبر الحاجز عدة مرات في اليوم. وكون الأهالي لا يمتلكون جميعا سيارات خاصة، فقد منح الاحتلال لخمس سيارات عمومية تصاريح، بشرط أن يكون صاحب "التاكسي" من سكان المنطقة. [title]حصار اقتصادي وإهمال رسمي[/title] عدنا من ذلك الشارع المقفر، إلا من بعض سيارات الشرطة العسكرية الإسرائيلية وسيارات المستوطنين، ووصلنا إلى الجانب الأخر من الطريق، كانت هناك العديد من المحلات التجارية المغلقة إلا محل بقالة ومحلات تعنى بصيانة المركبات. وصلنا محطة متواضعة لغسيل السيارات، وقف مستوطن على بابها بعد أن أوقف سيارته داخل المحطة، فيما بدأ صبي في المحل بغسل السيارة وقف صاحب المحطة "مفيد الجعبري" يتحدث للمستوطن، وعن شعوره وهو يقدم خدماته للمستوطنين، قال وقد ارتسم الأسى على محياه:" لا خيارات أمامنا، فان لم نشتغل لهم فلا فرصة لنا لكسب قوتنا وقوت عيالنا، فالمنطقة لا تدخلها إلا سيارات المستوطنين وسيارات محددة للأهالي، وحتى الأهالي لا يلجؤون لنا لتقديم الصيانة لسياراتهم، فنضطر للعمل مع المستوطنين". [img=062015/view_1435127236.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] وأكمل الجعبري، لقد تعرضت محلاتنا للإغلاق بالكامل منذ العام 2005 وحتى العام 2007 بقرار عسكري، ولما طال الأمر بنا بدأنا سلسلة مفاوضات مع قائد المنطقة الجنوبية العسكري، حيث أفضت هذه المفاوضات إلى السماح لنا بفتح محلاتنا". وحول تدخل المسؤولين في هذه المفاوضات، أجاب الجعبري بأن الحديث كان بين الأهالي والقائد العسكري مباشرة ودون تدخل أي مسؤول فلسطيني، فالمسؤولون لا يهتمون للمنطقة نهائيا، ولا يأتون إليها، وتركونا وحدنا نواجه المجهول". وأضاف الجعبري: "نحن لا نعاني فقدان الدعم للصمود في هذه المنطقة فحسب، بل نفتقد حتى أبسط حقوقنا في تقديم الخدمات العامة كالكهرباء والمياه، فالمياه تنقطع لفترات طويلة". [img=062015/view_1435127242.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] " والاحتلال لا يسمح لنا بإدخال صهاريج المياه بحجة عدم وجود تصاريح، مما يضطرنا أحيانا لجلب المياه من مستوطنة كريات أربع التي لا يفصلنا عنها سوى هذه الشارع"، مشيرا بيده للجانب الأخر من الطريق والذي جثمت علية بيوت المغتصبين الصهاينة ". واستطرد الجعبري قائلا: " أعاني منذ فترة من خلل في عداد الكهرباء المسبق الدفع في محل عملي، وقد طلبت طواقم الصيانة من البلدية مرارا لكنهم يسوفون، فهم يرفضون القدوم إلى منطقتنا بحجة أن الحواجز العسكرية تمنع دخول سيارات البلدية، مما يضطرهم إلى حمل معداتهم وعبور الحاجز مشيا". [img=062015/view_1435127241.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] وصلنا بقالة أم عمار، قرب حاجز "جعبرة " كما اصطلح السكان المحليون على تسميته، بدأ المحل شبه فارغ، فأم عمار لم تعد تقوى على نقل بضائعها عبر الحاجز حملا على الأكتاف أو عبر عربة صغيرة كما اعتادت منذ سنوات، فقد آثرت بقاء المحل مفرغا إلا من بعض الضروريات من البضائع. كما ويمنع الاحتلال منح أحد الحفارات (باجر) تصريحا لدخول أرضها وحفر بئر للمياه في محاولة لم تنجح حتى الآن في تعويض نقص المياه الواردة عبر خطوط مياه بلدية الخليل. [title]خطر اجتماعي وأخلاقي[/title] ابتسمت (هـ.س) ساخرة وهي تقول: حتى موضوع خطبة بناتنا مرهون بالحاجز، فالكثير من الخاطبين عندما يصلون الحاجز يتراجعون، فهم يخافون التعرض للتفتيش والإهانات وبالتالي فالارتباط ببنات المنطقة أصبح مرفوض من قبل الكثيرين، كما أن تزويج الفتيات ممن هم خارج هذه المنطقة لشباب المنطقة بات أمرا ليس سهلا أيضا. المربية سلوى، والتي تعمل في مدرسة خارج الحواجز تقول:" نخاف على أبنائنا خطر حوادث السير والاعتداءات المتكررة، ونخاف عليهم أكثر من أخطار أخرى، فهناك مكان معروف في المنطقة يروج فيه الاحتلال للمخدرات، لكن الأهالي يدركون الخطر المحدق بأبنائهم فيمنعونهم طبعا، لكنهم لا يستطيعون منع الشبان القادمين من خارج المنطقة، مما لا زال يشكل خطرا أخلاقيا وصحيا على الشباب الفلسطيني". [img=062015/view_1435127231.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] تم التوجه إلى عدة أعضاء من المجلس البلدي في الخليل لإيجاد إجابة للأسئلة الاستنكارية التي طرحها أهالي منطقة وادي الغروس ووادي ابو عياش، لكن دون إجابة، ربما لا يمتلكون إجابة، أو لا يريدون الإجابة، كلها احتمالات، والثابت فقط أن هذه المنطقة تم تغيبها إعلاميا وخدماتيا لصالح الاحتلال، وحسب الأهالي فتغييب المنطقة كان جزءا من ما يعرف "باتفاقية الخليل"، حيث تركهم المسؤولون هناك يعانون الأمرين وحدهم دون داعم أو نصير.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.