ترتبط الكثير من الأماكن بمهن بعينها، تعطي المكان صبغة وطابعا خاصا، وتوفر لسكان المنطقة مصدر رزق يعتاشون منه، وتجلب المهتمين في هذه المهنة من مناطق شتى.
بلدة "إذنا" جنوبي الخليل إحدى تلك المناطق التي تمتاز بتجارة "الخردة"، لكنها مهنة حسب الكثير ذو حدين، يستفيد الكثيرين منها ، لكنها تشكل أضرارا للآخرين بذات الوقت.
المحامية ديانا محمد السويطي، خلال حديثها لمراسلة "فلسطين الآن"، قالت إن تجار "الخردة" في بلدتها يجلبون النفايات المعدنية من سائر مناطق فلسطين التاريخية، ويكدسونها في البلدة مما يسبب مظهرا عاما مشوها للبلدة، ثم إنهم وبعد فصلها يبدؤون باستخراج المعادن وإزالة المواد الأخرى عنها، مما يستلزم حرق هذه الخردة للحصول على معادن خالية من البلاستيك والمواد الأخرى.
وتكمل السويطي:" مرحلة الحرق هي الأسوأ، فهي تشكل ملوثا مخيفا في هواء البلدة والذي يعاني منه الجميع، فمرضى الجهاز التنفسي الصغار يتأذون بشكل كبير من هذه الأدخنة، كما تتأثر مزارع الخضراوات بهذا التلوث، نتصل بالشرطة في حال بدأت هذه الأدخنة بالتصاعد، لكن لا جدوى من ذلك، فقبل قدوم للمكان يطفئ تجار الخردة نيرانهم ويهربون".
وتعقب السويطي : "حتى عجلات سياراتنا يتكرر ثقبها بسبب تناثر قطع الخردة الصغيرة والمسامير في شوارع البلدة، كما أن الكهرباء تعاني من ضعف شديد بسبب استخدام التجار المفرط للآلات الكهربائية المستخدمة في قص المواد المعدنية الصواريخ ".
وتشير السويطي إلى أن ملاحقة الشرطة الفلسطينية و بلدية "إذنا" وحتى سلطة البيئة الإسرائيلية ما زالت جميعها دون المستوى المطلوب للحد من هذا الأذى الذي يلحق بهم كمواطنين.
رأي المسؤولين
من جهته اعتبر رئيس بلدية "إذنا" موفق الطميزي، في حديثه لوكالة "فلسطين الآن" موضوع "الخردة" طويل وشائك على كل المستويات مع الشرطة والأجهزة الأمنية والمواطنين".
وأضاف الطميزي :" تتم عمليات حرق الخردة للأسف في مناطق زراعية وسكنية، وقد اتبعت البلدية بمرافقة الشرطة الفلسطينية منذ أكثر من 10 سنوات عدة إجراءات للحد من هذه الظاهرة ، ونجحت بنسبة فاقت 90% عن ذي قبل.
وتابع الطميزي:" قسم الصحة في البلدية يقوم بمتابعة محلات الخردة من خلال تنظيم مواقع العمل الخاصة بهم، ويتم وضع حواجز بينهم وبين الشوارع الرئيسية لتخفيف الأضرار عن المواطنين، وكل من يقوم بحرق أي مواد يتم مصادرة بضاعة التاجر بأكملها، وتحرر بحقه مخالفات مالية إلا أن هذه المخالفات للأسف غير رادعة كون مبلغها قليل جدا".
من الظالم !!
أما تجار "الخردة في بلدة "إذنا"، فاعتبروا أن أي معيق لعملهم في البلدة غير مقبول، خاصة وأن هذه المهنة توارثوها عن الآباء والأجداد، وهي مصدر رزقهم الوحيد.
التاجر أحمد محمود أبو جحيشة الناطق العام باسم عمال وتجار الخردة، أكد في حديثة لـ"فلسطين الآن" أن تجارة "الخردة" بدأت في بلدة إذنا منذ العام 1950م على الأقل، وكانت من أولى البلدات التي عملت في هذا المجال، "وهي مهنة توارثناها من آبائنا وأجدادنا ، فنحن نقوم على جمع الخردة وتنظيفها من المواد الأخرى غير المعدنية، ومن ثم فرزها وإعادة بيعها لإسرائيل لإعادة تدويرها".
وأضاف أبو جحيشة:" 70% من اقتصاد بلدية إذنا معتمد على الخردة، وهناك أكثر من 10 آلاف أسرة في البلدة مستفيدة من هذه المهنة، بمعدل 2500 عامل ، وهذه العدد طبعا غير ثابت ومرتبط بنشاط السوق وسعر طن النحاس والألمنيوم العالمي وقد ينخفض بشكل كبير – كما هو الحال حاليا- بسبب انخفاض سعر الطن للمعادن ".
وتابع:" مشكلة حرق الخردة بين البيوت حلت بنسبة 95%، وذلك بشراء آلات لتقشير المعادن بدل الحرق، حيث تمكن أحد التجار من شراء آلة تنتج بمعدل 8-10 طن يوميا بسعر 400 ألف دولار، إلا أن هناك ما نسبته 10% من الخردة لا توجد حتى الآن أي آلة تستطيع تخليص المعادن من المواد الأخرى العالقة بها وهذه هي التي نضطر لحرقها".
أما بالنسبة للاتهامات التي وجهت لتجار الخردة بما يخص تأثير حرق الخردة السلبي على السكان والبيئة، قال أبو جحيشة:" 5% فقط من الأهالي يحرقون الخردة قرب منازلهم وفي التجمعات السكنية، وكل من يقوم بعملية حرق بين السكان ليلا بتعرض للملاحقة القانونية، هناك منطقة مفرغة قرب مستوطنة "ادورا" شمالي البلدة تستخدم لحرق الخردة حاليا".
ولفت إلى:" هناك عدد من الأهالي ممن يمتلكون أراض قريبة من جدار الفصل العنصري يؤجرون أراضيهم للتجار لحرق الخردة بها مقابل مبلغ مالي، فهي أراض يحظر عليهم استخدامها للزراعة بأمر عسكري إسرائيلي".
وعن دور السلطة في علاج هذه المعضلة، قال أبو جحيشة:" لو وفرت لنا السلطة فرص عمل بديلة كنا سنترك هذه المهنة بالتأكيد، كما أننا كنا قد توجهنا لبلدية إذنا لتوفير ماكينات مطابقة للمواصفات العالمية في تحرير الخردة من المواد غير المعدنية وبالتالي إنهاء مشكلة حرق الخردة لكنها رفضت، والسلطة عموما غير مهتمة بموضوع إعادة تدوير الخردة نهائيا، فحتى الخردة لمستخلصة يتم تسويقها في إسرائيل فقط".



