8.9°القدس
8.66°رام الله
7.75°الخليل
15.18°غزة
8.9° القدس
رام الله8.66°
الخليل7.75°
غزة15.18°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: انقطاع أم ضِياع؟

فجأة نجد أنفسنا كطفل يحبو ويتدرب على المشي وهو يتعثر، أو كعصفور يجرب الطيران ولا يقوى على مقاومة جاذبية الأرض، رغم كل هذا الموروث الهائل من الثقافة والخبرات . لكن أي غفران يُرتجى بعد كل تلك المعرفة؟ هذا ما نحس به الآن وكأننا انقطعنا بشكل مباغت كحلقة ضالة عن تاريخ عريق، فثمة من يتحدثون عن الدولة كما لو أنهم يلثغون باسمها لأول مرة، رغم أن الدولة العربية الإسلامية اكتملت عدة مرات قبل قرون وقرون، ورغم أن ما كتبه ابن خلدون عن الفرد والجماعة وما كتبه السّخاوي عن فلسفة الحكم استبق عشرات العلماء المعاصرين . فهل نحن كعرب نعيش حقاً ما قبل الدولة؟ أو حتى ما قبل الماغناكرتا البريطانية والعقد الاجتماعي الفرنسي؟ إن هذه الأطروحات الوهمية لا تصمد دقيقة واحدة أمام التاريخ إذا احتكمنا إلى وقائعه المدونة، والثالوث الفاضل بأضلاعه التي هي العدل والمساواة والحرية ليس من اختراع القرن العشرين أو العقد الأعجف الذي أعقبه، إنه أقانيم حضارة وثقافة وفقه دولةٍ كان لها نتاج مشهود لعصور، وباعتراف خصوم أيديولوجيين أو حتى غزاة لم تستطع غرابيلهم أن تحجب الشمس . ما حدث للعربي المعاصر هو انقطاع مزدوج حال بينه وبين جذور المفاهيم التي يجري تداولها الآن، كما لو أن من يبشرون بها يستحقون براءة اختراع . والانقطاع المعرفي بالتحديد له سببان على الأقل، أولهما الارتهان لثقافة الغالب بالمفهوم الخلدوني الدقيق، وثانيهما ما يسميه مالك بن نبي المفكر الجزائري الراحل، الوعي السالب أو الزائف، فالمجتمعات في لحظات الانكسار والانحسار الحضاري، تتبنّى من حيث لا تعلم، ما يقال عنها حتى لو كان قادماً على صهوات الجياد أو الدبابات من غزاتها، وقد شاعت في العقود الأربعة الماضية ثقافة من طراز أقل ما يمكن قوله عنه إنه ماسوشي، ويدور على هجاء الذات وتقريع الأمة . ربما كانت هزيمتا 1948 و1967 قد غذّتا هذه الثقافة السلبية بالمزيد من الشكوك في قيمة الموروث العربي برمته، بحيث تمادى البعض في إعادة وإحالة كل الهزائم والانكسارات إلى مرجعيات وحاضنات في التاريخ العربي، وبدلاً من أن تتولى النخب التصدي لهذا الوعي السالب، تحولت إلى جوقة تردد صدى النّعيق، ولو جمعنا ما كتبه شعراء وباحثون من كتب وقصائد ومقالات في هجاء الذات، لأدهشنا حجم ما كتب في هذا السّياق . وبالرغم من أن هزيمة عسكرية كهزيمة حزيران لم تتحمل الأمة كلها عبئها وأوزارها، لأنها باختصار لم تشارك فيها إلا عبر الإذاعات ووكالات الأنباء . وهذا التّيه الذي تسبب به انعطاب البوصلات السياسية والأخلاقية هو نتاج قطيعة مزدوجة مع الماضي، قطيعة مع الثقافة أولاً في بعدها النهضوي والممانع، وقطيعة مع فقه الدولة من حيث كونها نشأت واستكملت مقوماتها قبل العديد من دول أوروبا المعاصرة، أو غيرها من القارات . الآن يصبح التفريق أكثر من ضروري بين هذا الضياع والعجز وشلل الإرادة والاستعمار والانتداب، وبين موروث لم يكن كله على هذا النحو، بل كان في بعض مراحله نموذجاً للاحتذاء والنسج على غراره . ولعل ما جرى هذا العام منذ بواكيره وما قد يجري، يعيد الاعتبار إلى الذات التائهة التي لم تجد شيئاً تقضمه فقضمت ذاتها .