منذ أن احتل اليهود القدس لم يتمكنوا من إبراز أي دليل مادي على وجودهم التاريخي فيها، ولم يتمكنوا من إثبات قدسية المسجد الأقصى وحائطه الغربي (حائط البراق) بالنسبة لهم. ولم تؤد الحفريات التي تواصلت منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم إلى الكشف عن أي أثر يهودي ذي قيمة، وهذا ما قرره علماء الحفريات الإسرائيليون أنفسهم.
وقد أجرت عصبة الأمم، بطلب من لجنة تحقيق بريطانية (لجنة والتر شو في عام 1930م) تحقيقاً دولياً، شكلت لأجله لجنة دولية خاصة للنظر في ملكية حائط البراق الذي يدعيه اليهود من مقدساتهم، وأثبتت اللجنة في تقريرها المحفوظة نسخته الأصلية في مجلس الأمن اليوم النص التالي: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي".
فماذا بقي لليهود في القدس وفي فلسطين بعدما تبين بطلان ادعائهم بالحق فيما يسمونه بحائط المبكى، وبعدما فشلوا في إبراز أي أدلة على تاريخهم في فلسطين. وأي شرعية لدولة الاحتلال اليهودي في فلسطين بعد ذلك؟.
وفق المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تهويد القدس يجري مصادرة أراضي العرب، وطردهم، وسحب هوياتهم، وتدمير منازلهم، وأخيرا مزاحمة المسلمين على مسجدهم والعمل على تقاسمه زمانياً ومكانياً. وكل ذلك مخالف للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي الذي يعتبر القدس أرضاً محتلة.
فقد نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 252 بتاريخ 21/5/1968م على أن: "جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية، وجميع الأعمال التي قامت بها (إسرائيل) بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس، هي إجراءات باطلة، ولا يمكن أن تغير في وضع القدس. ويدعو (إسرائيل)، بإلحاح، إلى أن تبطل هذه الإجراءات، وأن تمتنع فوراً عن القيام بأي عمل آخر من شأنه أن يغير في وضع القدس". وتم تأكيد ذلك في قرارات أخرى لمجلس الأمن الدولي، منها قرار رقم 267 بتاريخ 3/7/1969م، وقرار رقم 271 بتاريخ 15/9/1969م، وقرار رقم 298 بتاريخ 25/9/1971م.
وأوضح قرار الجمعية العامة رقم 36/15 بتاريخ 28/10/1981م خطورة الحفريات الإسرائيلية أسفل وفي محيط المسجد الأقصى وقررت: "تطالب بأن تكف (إسرائيل) فوراً عن جميع أعمال الحفر وتغيير المعالم التي تقوم بها في المواقع التاريخية والثقافية والدينية للقدس، وخاصة تحت وحول الحرم الشريف (المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة) الذي تتعرَّض مبانيه لخطر الانهيار"
وكذلك قرار رقم 36/226 أ، ب بتاريخ 17/12/1981م، الذي أكد "أن (إسرائيل) يجب أن تنسحب دون قيد أو شرط من جميع الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة، بما فيها القدس... تشجب عدم امتثال (إسرائيل) لقراري مجلس الأمن 476 المؤرخ في 30/6/1980، و 478 (20/8/1980)، وقرار الجمعية العامة 35/207 في 16/12/1980م وتقضي بأن قرار إسرائيل ضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية لها، فضلاً عن التدابير الرامية إلى تغيير طابعها المادي وتكوينها الديمغرافي وهيكلها المؤسسي ومركزها، باطلة جميعها أصلاً، وتطالب بإلغائها فوراً، وتطلب إلى جميع الدول الأعضاء والوكالات المتخصصة وجميع المنظمات الدولية الأخرى أن تمتثل لهذا القرار ولسائر القرارات المتصلة بالموضوع، بما فيها قرار الجمعية العامة 36/120 هاء." وكذلك قرارها رقم 35/207 بتاريخ 16/12/1980م بنفس المعنى.
إن الحق العربي والإسلامي في القدس واضح وضوح الشمس، وعلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم الدفاع عن هذا الحق. نحن لسنا بحاجة إلى مزيد من القرارات الدولية لصالح القدس، بل إن القرارات الصادرة بشأنها كافية ، ولكن المشكلة في منظمة التحرير الفلسطينية المتقاعسة عن واجباتها والتي أهملت قضايا الشعب الفلسطيني والتفتت إلى قضايا ثانوية تحقق من خلالها استمرار وجودها وامتيازاتها، وعلى الشعب الفلسطيني أن يضع قيادات المنظمة على الجادة ويحاسبها ويضغطها للاستجابة لمصالحه العليا، أو يدفعها للتنحي ما دامت عاجزة.