18.08°القدس
17.86°رام الله
17.19°الخليل
23.17°غزة
18.08° القدس
رام الله17.86°
الخليل17.19°
غزة23.17°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

جيل الفرصة الأخيرة

ديمة طهبوب
ديمة طهبوب
ديمة طهبوب

على مقاعد الدراسة كنا يوم انطلقت الانتفاضة الأولى فكانت نقطة تحول في تربية وتفكير الشباب الإسلاميين الذين تربوا نظريًّا على مفاهيم التضحية والجهاد وقدسية الشهادة وحب الأوطان ومفردات العزة والكرامة؛ فرأوا إمكانية تحقيقها واقعًا ساطعًا يعيد أمجادًا غاصت وتوارت عن الذاكرة لتصبح مجرد صفحات في كتب التاريخ، أصبح نصر القلة عيانًا أمام الأنظار، وأصبح المستضعفون سادة يأبه العالم لفعلهم ويربكون السياسة، وصار الحجر والسكين حتى صوت التكبير جنديًّا من جنود الله وصانعًا للنصر.

كانت مرحلة فارقة للشباب المسلمين في تكثيف الوعي وتفعيل الشعور الجمعي بقضايا الأمة، وتوجيه لبوصلة الأولويات نحو القضية الأقدس حينها قضية فلسطين.

لكن السن وبعد المكان يحددان إرادة الفعل ويحصران إمكانية التأثير في الميدان في القيام بأدوار الإسناد، التي مهما ارتقت فلن تكون بتأثير الفعل على الأرض، ولن تسد تلك الجوعة العاطفية وذلك الفتق النفسي أن يكون المرء _و لو مرة_ في قلب صناعة الحدث وفي الأولين، لا في الأطراف التي تظل في صفوف الاحتياط زمنًا قد يجيء أو لا يدركه أصحاب الأعمار القصيرة.

انتهت الانتفاضة الأولى وقد رسخت حالة من الوعي النضالي واقتناعًا مزيدًا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، ولكن حالة الوعي هذه أصبحت حالة ترف فكري وتنظير ونضالًا بالوكالة يقوم به أصحاب الأرض فرض عين فيتحول كفاية لدى الآخرين، وخمدت جذوة التصعيد والتواتر لشعب وقضية لا تملك الانطفاء حتى يتحقق التحرير، وما بين الانتفاضتين وبعدهما انشغلنا في غربتنا الروحية عن حالة الاستعداد الدؤوب، ودخلنا دوامة تكوين الأسرة والعمل وطموحات المستقبل، وتوارى عند الكثيرين الهدف الواضح الذي يجب أن تصب في مصلحته كل الأعمال، ودخلنا مرحلة الازدياد من كل متع الدنيا، وكأن ليس يثقل كاهلنا أوطان محتلة ومقدسات مدنسة وأعراض منتهكة، وضعنا الضمير في حالة سبات قد يستيقظ أحيانًا في الدعاء، وبذل فضول المال رفعًا للحرج عن نفس كانت في عز شبابها تنام وتقوم على أخبار الشهادة والشهداء، وتعلق صورهم كالنجوم وتترنم بنشيدهم وسيرتهم.

لا ريب أن للأزمنة شرفًا ويزيد شرفها ما يفعله الإنسان حينها، وللزمان كذلك انتكاسة يوم يخذله البشر بالتخلي والخنوع والذلة، ولبصمات الأجيال عناوين في التاريخ؛ فجيل دخل تحت اسم النكبة وظل يحمل تبعاتها، وبعضهم عاش ومات منكوبًا، ولم يكن تابعوهم أفضل حالًا في نكستهم، ثم جاء جيل الانتفاضة الذي جعل الطفل عملاقًا يرهب عدوًّا مدججًا، لم يختلف الاحتلال ولكن اختلف البشر تربية وعملًا؛ فدار الزمان دورة العز في ركابهم.

الشباب شهود الانتفاضتين أصبحوا الآن جيلًا على أبواب الأربعينيات، وجاوزها بعضهم، والانتفاضة الآن إن قامت أو تحضرت لما هو أعظم؛ فتلك فرصتهم الأخيرة لإظهار معدنهم واختبار تربيتهم سنينًا من الغرس طالت كثيرًا، وقد ودع بعضهم الدنيا بموت الفجأة، وما زال الإيمان سلبيًّا لم يتفعل، وما زال في النفس شوق إلى موقف عز وخروج من دكة الاحتياط إلى ميدان الاستخدام، في عين الشمس وعين العاصفة لا في وارف الظلال ودعة الأركان.

عندما نتمنى أن تقوم الانتفاضة وتتحرك المياه الراكدة أين نرى أنفسنا: أنرانا متفرجين مشجعين أم عاملين مضحين؟، أنحتفي بالشهداء ونطنطن لهم أم نعد أنفسنا وأبناءنا لنكون التالين؟، أنطلب من الناس التضحية دون أن نحس بكسر اليتيم وفقد الأم ووحشة الأرملة أم نحمل معهم أوجاعهم بعد نسيان الناس وتفرقهم؟

يا جيل الانتفاضتين لقد اكتمل شبابكم وبلغتم أشدكم وهذا ناقوس الفرصة الأخيرة يدق أبوابكم تنبيهًا وتذكيرًا، فهل لنا عظة في أبي ذر تأخر عن الركب ولكنه التحق بالنهاية مع كبر سنه وضعف قوته، وعمرو بن الجموح يقتنص الفرصة الأخيرة في عمره في معركة أحد ليدخل بعرجته الجنة؟

ما أشده من تقريع للراغب الاصفهاني يضع الموازين في نصابها في جردة حساب العمر " و من لم يصلح لخلافة الله تعالى و لا لعبادته و لا لعمارة أرضه فالبهيمة خير منه" أويكون هذا آخر المطاف ان نتساوى و البهائم في الميزان؟!

هذا الزمان زمان الاستدارة و تمكين الضعفاء و قد طالت أعمارنا لنكون اما من المصطفين او من المتروكين 

إنها الفرصة الأخيرة فهل من مدرك؟!