هل نحن أمام انتفاضة ثالثة؟, وما هو مستقبلها؟, وما هي النتائج المرجوة؟, عرفت موسوعة السياسة الانتفاضة بأنها: "الفعل الجماهيري المباشر المتسم بالعنف، الذي ينشأ عن بلوغ التناقضات الاقتصادية- الاجتماعية أو القومية ذروتها وتوفر وضع ثوري كامل يهيئ لها التحرك ضد سلطة الطبقة الحاكمة أو ضد المستعمر، فالانتفاضة تحدث بصورة مفاجئة عندما يصل الصراع بأنواعه إلى نقطة الغليان التي يصبح عندها من المستحيل تقبل الاستمرار في الحياة في ظل الظروف القائمة".
عند إسقاط المفهوم على ما تشهده الحالة الفلسطينية، نخلص إلى ما يلي:
1- هناك فعل جماهيري بدأ بالرصاص (عملية نابلس البطولية) وصولًا للسكين والدهس وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، وهذا الفعل لا يساوي حجم العنف الذي جابهت (إسرائيل) به المتظاهرين.
2- هناك حالة غليان كبيرة تشهدها الأراضي الفلسطينية أسبابها متعددة لعل أهمها: فشل خيار التسوية، والتمدد الاستيطاني، وتهويد القدس، والمساس بحرمة المسجد الأقصى، والحواجز، وحصار غزة، والتنسيق الأمني بدون مقابل سياسي.
3- حالة المفاجأة كانت حاضرة حيث كانت كل التقديرات الأمنية الصهيونية تقول: إن أقصى تقدير لبقاء حالة الغليان هو يوم الجمعة الماضي، ولكن ما زالت الهبة مستمرة وتدخل في مراحل جديدة.
الخلاصة حول المفهوم: ما يجري بالأراضي الفلسطينية من حالة غليان واشتباك مع الاحتلال في كل أماكن تواجده تجاوز مرحلة الهبة الشعبية لمرحلة ترسيخ مفهوم الانتفاضة، وعليه نستطيع أن نطلق على ما يجري وكما اصطلح على تسميتها انتفاضة القدس الثالثة.
*مستقبل الانتفاضة*
حتى نستشرف المدة الزمنية لانتفاضة القدس لا بد من معرفة الهدف السياسي المراد تحقيقه، وحتى يجتمع الإطار القيادي المؤقت لصياغة الهدف الاستراتيجي والذي لن يخرج عن إنهاء الاحتلال، وكذلك الوقوف عند البيئة الإستراتيجية للانتفاضة، وهي على النحو التالي:
*البيئة الإستراتيجية لانتفاضة القدس*
تتسم البيئة الإستراتيجية لانتفاضة القدس بنقاط قوة ونقاط ضعف، وتنقسم إلى مستويين داخلي وخارجي، على النحو التالي:
على المستوى الداخلي:
*أولاً: نقاط القوة:*
1- *الحاضنة الشعبية*: تمتلك انتفاضة القدس في قطاع غزة حاضنة شعبية والتفافًا جماهيريًا كبيرًا تستمد منه قوتها وصلابتها، وتجسد ذلك في حجم التضحية والأداء المميز، والحضور المنوع لكل أجيال وأطياف الشعب الفلسطيني، حيث بدأ المواطن الفلسطيني يشعر بمعاني العزة والكرامة رغم التضحية التي قدمها على مذبح الحرية، وهذا ما لمسه المتابع للعديد من التصريحات الإعلامية لعوائل الشهداء والجرحى في كل الأراضي الفلسطينية.
2- *القدرات العسكرية*: هناك نوع من الثقة بدأ يتجسد لدى المواطن الفلسطيني بأنه يمتلك مقاومة قوية في قطاع غزة تستطيع أن تلجم الاحتلال في حال ارتكب أي حماقة، وأن قوة فعل الانتفاضة ونتائجها قد تدفع كتائب شهداء الأقصى للعمل في الميدان لحماية الشعب الفلسطيني من بطش الجيش ومليشيات المستوطنين.
*ثانياً: نقاط الضعف*
حالة الانقسام السياسي والجغرافي تشكل التهديد الأبرز لصيرورة انتفاضة القدس، لأن المجتمع الدولي يمارس ضغوطاً على الرئيس عباس وبدون إنهاء الانقسام ونقل القرار السياسي من الفردانية للمؤسساتية ممثلة بالإطار القيادي المؤقت فإن ذلك يشكل نقطة ضعف أمام الانتفاضة.
على المستوى الخارجي:
*أولاً: نقاط القوة*
ممارسات (إسرائيل) بحق المسجد الأقصى تجعل من البيئة الخارجية العربية والإسلامية المنشغلة بهمومها مهتمة بما يجري بالقدس وبانتفاضة القدس حتى لو تعارضت مصالحها مع ذلك كون المسألة ستضع تلك الدول في موقف حرج أمام شعوبها.
أما المجتمع الدولي وفي ظل التحولات البنيوية بالنظام العالمي ودخول روسيا القوي في منطقة الشرق الأوسط قد يمنح انتفاضة القدس قوة في سبيل تحقيق الهدف السياسي.
*ثانياً: نقاط الضعف*
1- خشية الدول أن تشكل انتفاضة القدس تداعيات على مستقبل أنظمتهم السياسية.
2- حالة الانقسام بين الدول العربية والإسلامية.
3- ترتيب الأولويات لتلك الدول.
*الخلاصة*: الانتفاضة مستمرة وقد تأخذ أشكالاً مختلفة وأساليب وأدوات قد تجعل من الحكومة الصهيونية والمجتمع الدولي أن يندم مائة مرة لتقاعسه في إنهاء أقدم احتلال بالتاريخ. وعليه قد يكون من أهم النتائج المتوقعة هو حراك سياسي ودبلوماسي ووعود من فوق وتحت الطاولة للرئيس عباس من أجل إيقاف هذه الانتفاضة، وهذا سيعمق حالة الانقسام لو حصل دون توافق وطني، وقد ينتج عنه صدام بين السلطة والشعب، ولكن الخيار الأمثل يتمثل بعقد الإطار القيادي، ويكون مخولًا بمفاوضة العالم للعمل على إنهاء الاحتلال.