في الماضي كانت تستمر الحياة بشكلها الاعتيادي داخل الكيان العبري، مع العمليات العسكرية التي كان ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة أو الضفة، إلا في فترة ظهور العمليات الاستشهادية التي كانت تربك الكيان من الداخل، ولكن بصورة محددة زمانًا ومكانًا، ولكن طبيعة المواجهة مع المحتل الإسرائيلي في المدة الأخيرة انقلبت رأسًا على عقب من حيث تأثيرها داخل الكيان العبري.
العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014م كان كابوسًا حقيقيًّا على أغلب الإسرائيليين، استمر 51 يوميًّا تعطلت فيها الحياة بصورة كبيرة، وتوقفت حركة الطيران الإسرائيلي مدة ثلاثة أيام، إلى جانب نزوح المستوطنين من محيط غزة، وفرارهم من الجنوب إلى الشمال طلبًا للأمن، وهذه لا سابقة لها في تاريخ الكيان العبري.
انتفاضة القدس الحالية أدخلت الإسرائيليين في دوامة رعب وهستيريا، ولم يعد أي إسرائيلي بمنأى عن دفع ثمن الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون بحق الفلسطينيين ومقدساتهم وأعراضهم، ويعود السبب إلى الارتباط المتزايد بين أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والمناطق المحتلة عام 1948م وغزة، وهذا الارتباط لاحظناه إبان العدوان الأخير على غزة.
ما يميز انتفاضة القدس عن سابقاتها أنها تغلغلت منذ البداية في جسد الكيان العبري، فهي ممتدة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأشد ما تكون في القدس، والجماهير الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 48 تخوض معركة جماهيرية منظمة في أغلب المدن الفلسطينية داخل أراضي الـ48، والفعاليات الشعبية في تزايد، وقد انعكس ذلك على قرارات (الكابينيت) الإسرائيلي المصغر أول أمس، فمعظمها يتعلق بإجراءات قمعية وعقوبات جماعية بحق أهالي القدس والمناطق المحتلة عام 48.
الضفة الغربية بدورها أربكت حياة المستوطنين في الضفة وأراضي الـ48؛ بسبب العمليات التي ينفذها مقاومو الضفة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد لحظنا تدني المشاركة الجماهيرية في الضفة مقارنة بالانتفاضتين السابقتين، ويقع بعض بالتقدير الخطأ لإغفال نقطة مهمة، وهي عدم وجود جيش الاحتلال في المدن والقرى الفلسطينية إلا استثناء، ما يضطر المقاومون إلى التوجه إلى مناطق التماس مع الجيش، بعكس الماضي إذ كان الجيش في كل مدينة وقرية ومخيم، ومع ذلك الانتفاضة بالضفة في حالة تصاعد، وقد تتخذ صورًا أشد خطورة على المحتل الإسرائيلي، وخاصة تجاه المستوطنين في الضفة الغربية.