بينما كانت أمطار الخير تهطل على ربوع فلسطين، كان العديد من شباب الانتفاضة، في كافة مناطق التماس بالضفة والقدس وغزة، يروون أراضيهم المحتلة بدمائهم، وقبلها بعرقهم الذي تصبب أثناء المواجهات مع قوات الاحتلال، وكانت وقت هطول الأمطار جماهير مدينة خان يونس، بانتظار قدوم شهيدها البطل: خليل حسن أبو عبيد، من مشافي الأراضي المحتلة، يترقب الجميع في سرادق العزاء الأخبار أولاً بأول، إلى أين وصل جثمان الشهيد؟، حتى يسكنوه قبره، بعد إلقاء نظرة الوداع عليه.
رجلٌ منذ صغره
بهذه الكلمات بدأ والد الشهيد خليل حديثه لـ " فلسطين الآن "، قائلاً والدموع تكاد تنفجر من عينيه:" خليل رجل منذ صغره ، يعمل منذ نعومة أظفاره، كي يسد الدين عنّا، ويسد رمق أسرته".
ويتابع والد الشهيد خليل :" كان خليل محبوباً للجميع، أصحابه كثر، بسبب عمله في بيع الهواتف والاكسسوارات، على المحال التجارية في جميع مناطق قطاع غزة " .
وأشار والد الشهيد، إلى أن خليل، الابتسامة لم تفارقه منذ صغره، وكان خادماً لجميع أفراد أسرته، ملبياً طلباتهم وكل ما يحتاجونه.
ونوه والده، إلى أن ابنه أصيب خلال انتفاضة الأقصى عام 2002م، بطلق ناري في يده بعد مواجهات مع الجنود غرب مدينة خان يونس.
مسرعاً لِقَدَرِه
على غير عادته خرج الشهيد إلى عمله مبكراً، قائلاً لوالده :" شغلي اليوم كتير، مش فاضي"، فذهب لبيع الهواتف والاكسسوارات، بسيارة العمل، متجهاً صوب المحافظة الوسطى، كما يقول رفيقه.
وبعد أن أنهى الشهيد عمله بمخيم النصيرات، اتجه عصراً صوب مخيم البريج، وبدأ بالتنقل بين محلات بيع الهواتف، وما أن أنهى عمله، حتى سمع صوت إسعافات بالمخيم، متسائلاً عن السبب، فتأتيه الإجابة " هناك مواجهات مع قوات الاحتلال شرق البريج".
لم يفكر الشهيد كثيراً، وذهب إلى مكان المواجهات، كما يقول رفيقه، وما أن ركن سيارته الخاصة قرب منطقة المواجهات، وخرج ليرى ما يحدث، ما هي دقائق إلا وعاجله جنود الاحتلال، بقنبلة غاز اخترقت صدره لتستقر في رئتيه.
أم الشهيد، لم تستطع الحديث، بسبب الحزن الذي أصابها، لكنها أكدت أن ولدها كان يتابع أحداث الضفة والقدس، بمرارة ، وكان يردد أمامها لو أنني هناك ، لقمت بعملية طعن ضد جنود الاحتلال.
على موعد مع الشهادة
وصل خليل لمستشفى شهداء الأقصى، مصاباً بجروح خطرة، فتم تحويله لمستشفى الشفاء بغرة، وفي حينه أعلنت وزارة الصحة بغزة، استخراج قنبلة غاز من صدر أحد المصابين في المواجهات، بالطبع كان المصاب هو خليل أبو عبيد.
وأكد والد الشهيد خليل، في حديثه لـ " فلسطين الآن "، أنه عندما وصل المشفى، عاجله ابنه بالقول: " لا تحزن أنا شهيد"، عندها لم يتمالك والد الشهيد نفسه وبدأ يجهش بالبكاء.
ويضيف الوالد :" مكث خليل في مستشفى الشفاء، 10 أيام وبعدها تدهورت حالته الطبية، فتم تحويله لمستشفيات الداخل المحتل، لتلقي العلاج"، إلا أن استشهد أثناء إجراء التشخيص الطبي لحالته هناك.
وأوضح والد الشهيد في حديثه، أن خليل طوال تواجده في المشفى كان يطلب ممن حوله اسماعه القران الكريم ، لأنه يريد أن يلقى ربه وهو يسمع القرآن.
واختتم والد الشهيد حديثه لنا، والدموع تتسارع في عينيه، بأن خليل أمنيته كانت الزواج خلال العام الحالي، وكان يطلب من أبيه ذلك، إلا أنه وبسبب وضعه المادي لم يستطع تلبية رغبته.