تَطُل علينا ذكرى إعلان دولة فلسطين وشعبنا الفلسطيني يعيش أصعب مراحل النضال ضد المحتل الإسرائيلي، فهو يدافع عن أقدس المقدسات، ويمنع تقسيمه ويدفع بشبابه في أتون المواجهات، ولكن هذه الذكرى هذا العام لها طعم مختلف جدًّا، خاصة أن الوطن منقسم بين تيارين: تيار المفاوضات الذي تقوده منظمة التحرير، وتيار المقاومة المسلحة الذي تقوده الفصائل الوطنية والإسلامية، وعلى رأسها حركة حماس.
فالتاريخ يعطينا عبرًا كثيرة؛ فعلى سبيل المثال: يتبع الاحتلال الإسرائيلي أسلوب افتعال الأزمات وفرضيات العدو المحتمل؛ كي يوحد المجتمع الصهيوني حول قيادته؛ من أجل التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة لبناء المستوطنات عليها، واستكمال بناء الجدار العازل ليلتهم المزيد من أراضي الضفة الغربية.
فالشعب الفلسطيني الذي يعيش في قطاع غزة منذ الانقسام منتصف عام 2007م يعيش تحت كوارث حقيقية لا مصطنعة، فمنذ اليوم الأول للانقسام يعيش في حصار، وبعد سنة ونصف من الحصار شُنت عليه حرب مدمرة، وأمام التضحيات لم تتحرك القيادة الفلسطينية تجاه شعب قطاع غزة المحاصر، وبعد زمن ليس ببعيد قامت حرب أُخرى لم تدم طويلًا، وأوشك الحصار أن يُكسر قيده عن سكان القطاع، وبعدها كانت الصاعقة الكبرى أن شنت عليه حرب مدمرة، ولكن هذه المرة من نوع آخر؛ فلقد فرضت فيها المقاومة _وعلى رأسها كتائب القسام_ معادلة جديدة في الصراع مع العدو، وهي كسر حاجز الخوف في المواجهات مع العدو، ولأول مرة يحدث الالتحام فيها مع الجيش الإسرائيلي من مسافة الصفر، وأيضًا لم يتحرك تيار المفاوضات لاستثمار ذلك.
وفي غُرة شهر أكتوبر المنصرم ثار الشعب الفلسطيني دفاعًا عن مقدساته، ولكن هذه المرة في ربوع الوطن المحتل كله، وسالت الدماء زكية من أجل الأقصى وحرائر الأقصى، ووجدنا جيل أوسلو هم وقودها، واشترك معهم جيل انتفاضة الأقصى أمثال الطفل أحمد مناصرة الذي لم يتجاوز من عمره أربعة عشر ربيعًا.
بعد كل ما سبق ألا تكفي كل تلك الدماء التي سالت من أجل فلسطين، وعدد الشهداء الذي تجاوز أربعة آلاف شهيد منذ الانقسام؛ لكي يكونا سببًا بأن يقطع طرفا المعادلة في الصراع مع العدو الصهيوني تذاكر عودة لربوع الوطن، ويلتحما مع شعبهم، كلٌّ على حسب أيديولوجيته دون تأثير أحد على الآخر؛ أفضل من أن يكونا باتجاهين متعاكسين؟!، ألا يكفي ذلك من أجل تصويب البوصلة إلى الاتجاه الصحيح، أفضل من أن نجد فلسطين وقد ازداد انقسامها انقسامًا؟