لقد بات من الواضح أنني سَأُدْخَل السجن، ومن المتوقع أن أمضي فيه أحد عشر شهرًا، وسلفًا أقول: نحن شعب يحب الحرية ولا يحب السجون، ولكن إن كان لابد من السجن ثمنًا لنصرة القدس والمسجد الأقصى المباركين؛ أقولها بلا تردد: مرحبًا بالسجون، وإن خَيَّرنا الظلم الإسرائيلي والقهر الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي بين أن نُدخل إلى السجن وأن نتنازل عن قدسنا وأقصانا؛ أقولها بلا تردد: مرحبًا بالسجون، وإن ظن هذا الاحتلال الإسرائيلي بظلم وقهره أن السجون قد تخيفنا وقد تدفعنا إلى التنازل عن عهد الوفاء مع قدسنا وأقصانا فهو واهم، وأقولها بلا تردد: مرحبًا بالسجون، وسأبقى أردد خارج السجن: "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، وسأبقى أردد داخل السجن: "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، وسأردد في اللحظة الأولى التي سأخرج فيها من السجن: "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
ولذلك يشرفني أن أقول لكل أهلنا على صعيد شعبنا الفلسطيني وعالمنا العربي وأمتنا المسلمة قبيل إدخالي السجن: إنني بعد انتهاء مدة سجني سأعود إليكم، وسنلتقي في حارات القدس وفي ساحات المسجد الأقصى هاتفين: "جاء الحق وزهق الباطل إن الاحتلال الإسرائيلي كان زهوقًا. ولكن حتى نلتقي أقول لكم _يا كل أهلي في كل مكان_: من أراد أن يساندني في سجني فليساند القدس والمسجد الأقصى المباركين، ومن أراد أن يناصرني في سجني فليناصر القدس والمسجد الأقصى المباركين، ومن أراد أن يؤازرني في سجني فليؤازر القدس والمسجد الأقصى المباركين، ومن أراد أن يتواصل معي في سجني فليتواصل مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، ومن أراد أن يدعمني في سجني فليدعم القدس والمسجد الأقصى المباركين.
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: لأن يُقَسَّمَ جسدي أهون عليّ من أن يفرض الاحتلال الإسرائيلي تقسيمًا زمانيًّا أو مكانيًّا على المسجد الأقصى المبارك، ولأن تُقْلَعَ عيني أهون عليّ من أن يقلع الاحتلال الإسرائيلي حجرًا من المسجد الأقصى المبارك، ولأن تُنْزَع روحي أهون عليّ من أن ينزع الاحتلال الإسرائيلي حقنا الأبدي، الذي هو لنا وحدنا، في المسجد الأقصى المبارك، ولأن تُقْطَع يدي أو رجلي أهون عليّ من أن يقطع الاحتلال الإسرائيلي جزءًا من المسجد الأقصى لبناء هيكل خرافي عليه، ولأن يُراقَ دمي أهون عليّ من أن يريق الاحتلال الإسرائيلي دم مرابطة في المسجد الأقصى المبارك.
فمن لهذا المسجد الأقصى البيت الأسير، ومن لهذه القدس زهرة المدائن الأسيرة، إن لم نكن نحن؟!، ومن لهذا المسجد الأقصى البيت المحاصر، ومن لهذه القدس زهرة المدائن المحاصرة، إن لم نكن أنا وأنت وأنتِ وهو وهي وأنتما وأنتم وأنتن وهما وهم وهن؟!، ومن لهذا المسجد الأقصى البيت المهان، ومن لهذه القدس زهرة المدائن المهانة، إن لم نكن نحن الشعب الفلسطيني، ونحن العالم العربي، ونحن الأمة المسلمة؟!
أليس هذا المسجد الأقصى البيت الأسير المحاصر المهان، وهذه القدس زهرة المدائن الأسيرة المحاصرة المهانة قضية كل فلسطيني وعربي ومسلم؟!
أليس واجبًا نصرتهما على كل فلسطيني وعربي ومسلم؟!
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: إن لم نستيقظ لهما من نومنا الآن فمتى نستيقظ؟!، وإن لم نتنبه إليهما من غفلتنا الآن فمتى نتنبه؟!، وإن لم نغضب لهما الآن فمتى نغضب؟!، وإن لم ننهض لهما الآن فمتى ننهض؟!، وإن لم نتقدم لنصرتهما الآن فمتى نتقدم؟!
أليست هي عيونكم التي تراهما جريحين ينزفان دمًا؟!، فما لي أراكم صامتين؟!، وما لي أراكم تضحكون؟!، وما لي أراكم تلعبون؟!
أليست هي آذانكم التي تسمعهما يناديان: وا إسلاماه!، وا عرباه!، وا عمَراه!، وا صلاحاه!، وا معتصماه!، فما لي أراكم ساكتين لا تلبون النداء؟!، أم أنهككم الوهن، وملأ صدوركم حب الدنيا وكراهية الموت؟!، أم صَدَّقتم من خدعكم وَكَذَبَكُم وأضلكم وقال لكم: "إذا سمعتم أن الاحتلال الإسرائيلي قد هُزم فلا تصدقوا"؟!
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: ما من موضع قدم فيهما إلا ووقف عليه مرابط أو مرابطة ذات يوم، وما من شجرة زيتون فيهما إلا واستظلّ تحتها مجاهد أو مجاهدة ذات يوم، وما من حفنة تراب فيهما إلا وبللها دم شهيد أو شهيدة ودمع عابد أو عابدة ذات يوم، وما من سهل أو جبل أو واد في رحابهما إلا ولا يزال يحتضن في أعماقه حُرًّا أو حرة جادوا بأرواحهم لنصرتهما ذات يوم، وما من حجر فيها إلا ولا يزال شاهدًا على عصر من الصبر والنصر، والكرب والفرج، والعسر واليسر، مر عليهما، وسينطق كل حجر من هذه الحجارة قريبًا بإذن الله (تعالى)، وما من ليل ونهار أو صبح ومساء أو فجر وعتمة تعاقبت عليهما إلا ولا تزال تشهد وتقول، مبشرة أهل الحق ومنذرة أهل الباطل: بيت المقدس لا يُعَمَّرُ فيه ظالم، وما من صفحة تاريخ من سِفر تاريخ أمجادهما إلا وتحكي لنا عن تكبيرات الصحابة الفاتحين خلف الفاروق عمر، وعن زئير أسود التحرير خلف السلطان صلاح الدين، وعن خفق البيارق شامخة في حطين وعين جالوت، وعن أحلام سوداء طافت في سمائهما ساعات ثم اختفت كأن لم تكن، وجرفت معها كل زبانيتها المغرورين، الذين ظنوا أنهم قادرون على تحقيق هذه الأحلام السوداء، على شاكلة الصليبيين والتتار والاستعمار الأوروبي البائد، فأين هم اليوم؟!، كلهم زالوا مع زوال أحلامهم السوداء، وهكذا المصير الذي ينتظر الاحتلال الإسرائيلي، سيزول عما قريب عنهما مع زوال أحلامه السوداء.
فيا أهلي في كل مكان، هل من حر فيكم أو حرة يسمعان أنين قيودهما كيما يصمم هذا الحر وهذه الحرة على تجديد السير العزيز نحوهما، خلف كل مَنْ سبقنا مِن مرابط ومرابطة ومجاهد ومجاهدة وشهيد وشهيدة وعابد وعابدة، نذروا أنفسهم على مدار قرون التاريخ السالفة لنصرتهما؟
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: هما القدس والمسجد الأقصى، وكلاهما الآن آذان صاغية تنتظر من آحادكم ومئاتكم وآلافكم وملايينكم وملياراتكم أن تقول: نحن لها يا قدس، نحن لها يا أقصى، لبيكِ يا قدس، لبيك يا أقصى، جئناكِ يا قدس، جئناكَ يا أقصى، نحن قادمون يا قدس، نحن قادمون يا أقصى، نحن آتون يا قدس، نحن آتون يا أقصى، من شرق الأرض وغربها آتون، ومن شمالها وجنوبها آتون، ومن أقصى القفار ومن خلف البحار آتون، ومن حمى المسجد الحرام وحمى المسجد النبوي وحمى كل مساجد الأرض آتون، ومن كل بيت مسلم، ومن كل بيت عربي، ومن كل بيت فلسطيني آتون، ومن عمق الأغوار وشواهق الجبال وشظف الصحاري آتون، ومن كل بيت مدر ووبر آتون!!
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: من لهما منا حتى يكسر الصمت، الذي التصق بنا كما تلتصق بنا الثياب، ويصيح من قحف قلبه: أبشري يا قدس، أبشر يا أقصى؛ فعما قريب سيصبح زحفنا على أبوابكما، لأنه قد سار وسيواصل السير، ولن تحول بيننا وبينكما أية حدود، ولن تحجبكما عنا ولن تحجبنا عنكما أية سدود، ولن يفصل بيننا وبينكما أشباه عاد وثمود، ولن يفرض قطيعة بيننا أي محتل حقود، ولن يفتت العروة الوثقى التي تجمع بيننا أي مستعمر حسود.
وحتى نلتقي أقول لكم _يا أهلي في كل مكان_: هل تعلمون أن حجم قطاع الصيرفة الإسلامية العربية نما نموًّا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ليصل حجم موجوداته (الأصول) إلى 520 مليار دولار بنهاية عام 2014م؟، وهذا ما صرح به وسام فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية. فتصوروا لو أن هذه المصارف خصصت زكاة أموالها في عام واحد مرة واحدة فقط لدعم القدس والمسجد الأقصى المباركين، وصمود أهلنا المقدسيين فيهما، لكانت أحوالهم أحسن بألف مرة مما هي عليه الآن، وقد تسهم إسهامًا مؤثرًا ومباشرًا بزوال الاحتلال الإسرائيلي.
ثم هل تعلمون أن تعداد الأمة المسلمة يكاد يصل إلى المليارين؟، فأي عقل سيصدق بعد مرور عشرين سنة أن أمة كان تعدادها قرابة المليارين كانت عاجزة عن نصرة القدس والمسجد الأقصى المباركين؟!
ثم هل تعلمون أن الكثيرين من أصحاب القراءات السياسية، واستشراف المستقبل يتوقع بعضهم أن الاحتلال الإسرائيلي سيزول قريبًا.
فأبشروا يا أهلي في كل مكان؛ أوشك فجر القدس والمسجد الأقصى المباركين أن يلوح.
وحتى نلتقي أقول لكم يا أهلي في كل مكان: هما القدس والمسجد الأقصى المباركان، فتحهما عمر، وحررهما صلاح الدين، فمن لهما الآن؟!