سياسة هدم البيوت التي يتبعها الكيان الاسرائيلي تعود الى قانون الانتداب البريطاني في العام 1935، هكذا برر ادرعي الناطق باسم جيش الكيان الاسرائيلي هذه السياسة في معرض دفاعه عنها، من على فضائية الــ»بي بي سي» العربية قبل اسابيع، مضيفا ان هذه السياسة ليست جديدة، مشيرا الى اتباعها ايضا من قبل عدد من الدول بحسب ادعائه.
عاموس هرئيل علق على هذه السياسة في مقالته بالقول ان سياسة الردع المستندة الى هدم المنازل لم تنجح في وقف الانتفاضة او العمليات ضد المستوطنين، وفي محاولة لاثبات نجاعة هذه السياسة الفاشلة حاول الاعلام الصهيوني اثبات فاعليتها من خلال الاعلان عن قيام اسرة منفذ عملية الخليل بتسليمه لتجنب هدم منزلهم، ادعاء ثبت عدم مصداقيته، فسياسة الردع المتبعة من قبل الكيان الاسرائيلي تواجه فشلا ذريعا بحيث اصبح من الصعب تبريرها، فهي في الجوهر سياسة قمعية لا اخلاقية تمارسها سلطة احتلال، وفي ذات الوقت تؤجج المواجهات كما حدث ليلة امس الاول في قلنديا، لتمثل ردا قويا على الدعاية الصهيونية.
الفشل الصهيوني لا يتوقف عند حدود الردع بل الانذار، حيث بات اعتقال النشطاء الفلسطينيين والشبان تعبيرا عن حالة هوس شديد، فما ان يظهر تعليق على شبكة التواصل الاجتماعي حتى تشن حملة اعتقالات تطال شبانا وفتيات فلسطينيات كما حدث اكثر من مرة، حال تعبر عن هستيريا ناجمة عن فشل سياسات الانذار المبكر الصهيونية وعجزها عن التعامل مع انتفاضة يقودها شبان في اغلبهم لا انتماءات سياسية او فصائلية لهم، لتوفر وقودا اضافيا للاحتجاجات الفلسطينية وقوة دفع هائلة للانتفاضة، كما حدث عن اعتقال فتاة فلسطينية في مخيم الدهيشة.
الدلائل كثيرة على فشل الاستراتيجية الصهيونية في الانذار والردع، والبدائل المتاحة المتبقية مع الانتفاضة الفلسطينية باتت محدودة وغير مؤثرة، خصوصا وان المواجهات باتت أمرا يوميا ومستمرا، ويفاقم ازمة الكيان الصهيوني ما تكشفه استطلاعات الرأي التي تفيد ان 70% من المستوطنين لا يثقون بحكومة نتنياهو، في حين ان اكثر من 80% من الفلسطينيين يذهبون الى ضرورة استمرار الانتفاضة الفلسطينية، ما يعني ان قوة الدفع التي تملكها قوية في الشارع الفلسطيني ومن غير متوقع تراجعها.
أزمة الكيان لا تتوقف عند فشل سياسة الردع ولا اخلاقيتها، بل الى نجاح الفلسطينيين في تقديم نموذج اخلاقي متقدم في المواجهة بتجنب استهداف الاطفال، وتقديم صورة ذات طابع كرنفالي احتفالي لاحتجاجاتهم بشكل يجذب الرأي العام العالمي في منطقة بات العنف والغلظة السمة الاساسية التي تميزها، ليظهر النموذج الفلسطيني كبقعة ضوء في محيط مظلم.
المواجهة بدورها ستدفع قادة الكيان الاسرائيلي الى محاولة انتاج مشروع سياسي يمكنهم من الالتفاف على المقاومة الفلسطينية والانتفاضة، امر من المستبعد ان ينجح في ظل انشغال دولي بقضايا الاقليم، وعجز تعانيه السلطة الفلسطينية لتبرير أي مشروع سياسي يستثني القدس او تفكيك المستوطنات باعتبارها بؤر التوتر الرئيسة التي اشعلت الانتفاضة الفلسطينية، مرحليا فإن قادة الكيان يعتمدون على سياسات الانذار والردع في مقابل تطور يومي يطرأ على الانتفاضة، وهو أمر قد يعجز الكيان عن مواكبته في المرحلة المقبلة، خصوصا وان واقع الضفة الغربية من ناحية جغرافية مغاير تماما لواقع قطاع غزة، وواقع الانتفاضة الحالية وقاعدتها الاجتماعية مختلفة في خارطتها السياسية وتكوينها عما كانت عليه في الــ87 وانتفاضة 2000، فهي انتفاضة بمتغيرات استثنائية ديموغرافيا وسياسيا وجغرافيا.