قلت لمحمود عباس: تذكر كلماتي، ستكون هناك 50 سنة قادمة لن يقدم فيها أي رئيس حكومة إسرائيلي عرضا أفضل من الذي أقدمه لك الآن، فلا تضيع هذه الفرصة".لقد صدق "أولمرت"، الذي أدرك أن مزاج اليهود قد بدأ يميل إلى التطرف، وأنه شخصياً آخر رئيس وزراء إسرائيلي لديه عرض يقدمه إلى السيد محمود عباس. فما مضمون العرض الذي قدمه أولمرت لعباس في شهر 9 من عام 2008؟
ولماذا رفض عباس العرض، وأضاع الفرصة كما يدعي الإسرائيليون؟ لقد بثت القناة العاشرة الإسرائيلية لقاء مع ايهود أولمرت مرة، ولقاء آخر مع السيد محمود عباس مرة أخرى، وكشفت عن العرض الذي ورد على لسان الاثنين، وهو:
1- قال أولمرت: قدمت خلال الاجتماع مع عباس في 16 أيلول/ سبتمبر 2008 عرضا يسعى إلى تلبية غالبية المطالب الفلسطينية.
2- لقد عرضت على عباس انسحابا شبه كامل من الضفة الغربية، شرط أن تحتفظ (إسرائيل) بنسبة 6.3% من الأراضي، من أجل الحفاظ على السيطرة على المستوطنات الكبرى، وقال إنه قدم للفلسطينيين تعويضات بما يعادل 5.8% من الأرض، إضافة إلى نفق يربط الضفة الغربية مع قطاع غزة.
3- قلت له تذكر كلماتي، ستكون هناك 50 سنة قادمة لن يكون فيها أي رئيس حكومة إسرائيلي يقدم عرضا أفضل من الذي أقدمه لك الآن، فلا تضيع هذه الفرصة".
4- أكد أولمرت أنه ضغط على عباس أن يوقع مبدئيا على العرض في ذلك اليوم. فلماذا رفض السيد عباس العرض؟ وماذا كان رده من خلال القناة العاشرة الإسرائيلية؟
1- اعترف السيد محمود عباس بأنه رفض العرض الذي قدمه ايهود أولمرت في عام 2008، لأنه تضمن وضع شرقي القدس تحت رقابة دولية.
2- اعترف عباس أنه دعم فكرة تبادل الأراضي، لكن أولمرت ضغط عليه للموافقة دون السماح له أن يدرس الخريطة المقترحة.
3- قال عباس: إن أولمرت قد عرض أمامي الخريطة، ولكنه لم يعطني إياها، لقد قال لي أولمرت: هذه هي الخريطة، ومن ثم أخذها بعيدا، أنا أحترم وجهة نظره، لكن كيف يمكنني أن أوقع على أمر لم أتلقاه؟. ما سبق من اعترافات خطيرة يطرح الأسئلة التالية: هل الذي كان يجرى بين عباس وأولمرت مفاوضات أم ألعاب بهلوانية؟ وأي مهزلة تفاوضية تلك التي يطالب فيها طرف من الطرف الآخر أن يوقع على عرض دون أن يسمح له بدراسته، أو التشاور السياسي والقانوني بشأنه؟ وأي خرائط انسحاب تلك التي لا يسمح للطرف الآخر بأن يلمسها، أو أن يعدل عليها، أو حتى الاعتراض عليها؟
وهل كان العرض الإسرائيلي جدياً أم كان تدليساً سياسياً؟ وهل هو استخفاف بالشعب الفلسطيني وقضيته، أم هو استخفاف بقيادته؟ بعد هذا الكشف المهين للإنسان الفلسطيني، لا يحق لمحمود عباس أن يترحم على زمن "أولمرت" ويقول: "أشعر أن أولمرت قد اغتيل سياسيا كما إسحق رابين الذي اغتيل فعليا، ولو استمرت تلك المفاوضات لمدة 4 أو 5 أشهر أخرى، لتم إبرام اتفاق فعلي" فأي اتفاق فعلي ذاك الذي كان سيبرم مع "إيهود أولمرت" الذي أغوى عباس بالكلمات، وسمح له برؤية خريطة الانسحابات، ولم يسمح له بلمسها؟ وهل معنى ذلك أن الدولة الفلسطينية التي كان يعرضها "أولمرت" هي دولة للمشاهدة وليست دولة للممارسة؟ وكيف نبكي على غياب داهية يهودي، أغرق قضيتنا في وحل الأوهام؟
وأوحى بقدرته على الحل، وهو يعرف أن مزاج اليهود قد جنح للتطرف لمدة خمسين سنة قادمة؟ أزعم أن العرض الذي قدمه "أولمرت" سنة 2008، كان يهدف إلى تسجيل موقف، والادعاء بأن الإسرائيليين قد عرضوا على الفلسطينيين حلاً، ولكن الفلسطينيين رفضوا الحلول، وذلك يقضي بأن يحاسب الفلسطينيون أنفسهم حساباً عسيراً للهاثهم الأجوف خلف مفاوضات عبثية أرهقت تاريخهم، ومزقت شملهم، وسخفت قضيتهم، وألقت عليهم بالأسئلة التالية: 1ـ من الذي استفاد من الزمن، واستثمر الهدوء لصالحه منذ سنة 2008 وحتى 2015؟ 2ـ من الذي عزز وجوده على الأرض، وأقام البنيان ورسخ كيانه أكثر وأكثر؟ 3ـ من الذي لما يزل يدق أبواب المفاوضات، وظل يلهث خلف السراب، وقبض حفنة رياح؟ الإجابة عن الأسئلة السابقة تفسر أسباب الغضب الفلسطيني، وتفجر انتفاضة القدس.