27.22°القدس
26.7°رام الله
26.08°الخليل
27.7°غزة
27.22° القدس
رام الله26.7°
الخليل26.08°
غزة27.7°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

سؤال الجدوى الناقص

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر

بات سؤال الجدوى في هذه الانتفاضة المختلفة في جميع مظاهرها وأنماط استمرارها يثير نقاشات كثير من المتابعين، وصار هناك استثقال للنزيف اليومي للشهداء، رغم أنه ما زال أقل بكثير من ذلك الذي نزف في مطلع الانتفاضتين السابقتين، أو حدث خلال حرب غزة الأخيرة.

حين كانت يوميات الفعل الشعبي في مطلع الانتفاضتين السابقتين تخلّف يومياً من خمسة إلى عشرة شهداء في مواجهات الحجارة لم نكن نسمع مصطلح (الموت المجاني) بل كان يتم خلع كل صفات التبجيل والتقدير والتشجيع على هذا الفعل باعتباره يأتي في إطار المقاومة الشعبية.

وحدها عمليات الطعن أو محاولاته من يرافقها مصطلح (الموت المجاني).. مع أننا لو أردنا مناقشة الأمر من ناحية الجدوى المادية والمعنوية فإن عملية طعن تنجح بجرح جندي حتى لو كانت إصابته طفيفة أكثر جدوى من مواجهات الحجارة (ولا يعني هذا التقليل من شأن الأخيرة).

من جهة، فإن سؤال الجدوى يبدو ناقصاً هنا، لأنه يسقط العوامل الأساسية التي أنتجت هذه الحالة في الضفة، وهو تغييب المقاومة المنظمة لفصائل المقاومة، وما أفرزه هذا الحال من غياب السلاح وتجريم حامليه، وصعوبة الحصول عليه لمن يريد الجهاد، أو احتياجه لمبالغ كبيرة من أجل شراء قطعة واحدة، وهو أمر لا يبدو متاحاً في الظرف الراهن لأن منفذي العمليات لا يخرجون بتوجيه مباشر من أحد، وإن كانوا يتأثرون بالتعبئة المعنوية للإعلام المقاوم في الضفة وغزة.

ومن جهة أخرى، فإن الحال يتجاوز نقاش الجدوى والمطالبة بترشيد الفعل المقاوم إلى إنكار الفعل ذاته، أي فعل الطعن، بدعوى أنه لا يسبب خسائر مادية كبيرة في صفوف الاحتلال، ويستنزف أرواح الشباب والشابات (مجانا)، وغني عن القول إن إشاعة حالة من إنكار الفعل وانتقاده ستصبّ في صالح الاحتلال وأذنابه بالدرجة الأولى، وهو الذي نجحت بضعة سكاكين في هزّ منظومته الأمنية وتفتيت استقراره في كثير من المناطق، حتى بات حائراً في الاهتداء إلى أنجع الوسائل لمحاربة ظاهرة الطعن وإنهائها.

ما من أحد يحب العشوائية ويكره المقاومة الواعية، لكن المقاومة الواعية تنشأ في ظل تنظيمات تقود الفعل وتحرّكه وتتخيّر عناصره، وليس في ظل المقاومة فردية الطابع، أما الدعوات لضبط ثورة الشباب في ظل غياب الفصائل المنظمة فهو نداء للسلطة بالتدخل والمنع، حتى وإن قصد أصحابه غير ذلك. لأن السلطة ستوسّع من دائرة استهدافها تحت غطاء هذه الدعوات لتستهدف قاعدة عريضة من جمهور المقاومة والمحرّضين عليها بحجة الحفاظ على أرواح الشباب والأطفال ومنعهم من التهوّر، وهو أمر بدأنا نشاهد إرهاصاته عملياً من خلال نشاط عناصر السلطة داخل المدارس وعبر الإذاعات المحلية المحسوبة عليها، والهدف تمييع ثقافة المقاومة وتحويلها إلى فعل مستهجن بحجة نشر الوعي.

لقد ذُرفت دموع كثيرة على واقع الضفة، وتعرضت كذلك إلى هجائيات مطولة في مرحلة سكونها السابقة، وحين حدثت المعجزة التي طال انتظارها، انقلب حال نفر من الناس لمطالبات التقنين أو وقف ظاهرة الطعن، رغم أنها شكل المقاومة شبه الوحيد الذي تمليه معطيات الواقع.

ما يحدث في الضفة اليوم هو المعبّر عن واقعها وعمّا تمتلكه، ولو وسع فرسان عمليات الطعن حيازة السلاح أو الحزام الناسف لما حملوا السكاكين، وليس كل راغب بالتضحية مستعداً لانتظار يوم أو ظرف قد لا يأتي، ويكون السلاح فيه متاحاً ووفيرا.