10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
14.54°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة14.54°
الأحد 22 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

اهتمام غائب

آثار غزة تحتضر وأقدم معلم فيها يندثر

الاثار-2-1
الاثار-2-1
غزة - فلسطين الآن

على مقربة من الساحل الجنوبي لبحر النصيرات على تلة أم عامر، المكان الذي عدَّ موطن القديس الأصلي وصومعته التي أقامها في عام  329 ميلادي، أي قبل عهد الإسلام بنحو ربع قرن تقريباً.

في واقع أليم تعيش الآثار المتبقية في قطاع غزة تحت المخاطر التي تتهددها بفعل غياب مشاريع الترميم والبناء العشوائي الذي أفقد القطاع كنوزه الأثرية التاريخية مع مرور الأيام.

دير القديس هيلاريون

ويقول خبير الآثار الدكتور ناصر اليافاوي أن هذا الموقع بالغ الأهمية وترميمه إنقاذ لتاريخ وعراقة عاصرت حقباً مختلفة، تركت بصماتها على هذا الدير، ليكون أول المواقع الأثرية التي تنبهت وزارة السياحة والآثار لترميمه بتمويل من القنصلية الفرنسية، قبل أن يصبح في طي النسيان.

في حين تبين معدة التقرير الصحفية ماجدة البلبيسي في بدايته: "تجولنا في جنبات أشباه مدينة كانت في زمن قديم تحفة فنية بالغة الدقة في تصميم جدرانها وغرفها وفندقها ومسبحها وأعمدتها وصالات فسيفسائها، تلك البقعة الواضحة المعالم التي لم يتجرأ الزمن أن يطمس آثارها وزخرفها ونقشها ورسومات الحيوانات التي زينت سطحها، وكتابة رومانية لم تفك طلاسمها بشكل نهائي بعد".

ويجد الزائر لوحات فنية متنوعة وبقايا أغلفة توابيت، أعمدة من البازلت وبقايا كنيسة، حوض يستخدم لغسل وتعميد المسيحيين، عدا عن حمام آخر للسباحة ينتهي ببركة للأسماك، محاطة بأعمدة شديدة الصلابة اسطوانية الشكل وفندق كان قِبلة جنسيات مختلفة أقامت فيه.

ويضيف اليافاوي "لهذا الدير قصة عريقة بعراقة التاريخ القديم لخصها الدكتور اليافاوي بأن هيلاريوس بنى هذا الدير على مساحة كانت تقدر بخمسة دونمات اختزلت لعوامل مختلفة وهي مبنية بحجارة غزية، قابلة للتآكل بفعل عوامل التعرية، لذا كنت أخشى من اندثار هذا المعلم إذا لم يتم ترميمه.

ويبين اليافاوي: أن "هيلاريون ناسك غزي جاء من مصر بعد أن تم تهديده على أيدي الرومان الذين كانوا يدينون بالوثنية المعادية حينها للمسيحية، حيث كان أول من أسس وجودها في غزة وأقام له هذه الصومعة بغرض التنسك". وكان قد هرب من ظلم الرومان إلى قبرص حيث توفاه الأجل هناك ونقل قبره  أحد تلامذته ودفنه مقابل الكنيسية الارثوذوكسية في الدير، وهناك من يعتقد من المؤرخين أنه تم نقل رفاته للخارج مع عدد من القبور.

70% سرق

يجزم اليافاوي بأن نحو 70% من  آثار غزة  تم سرقتها عبر ما اسماهم وسطاء وعصابات الآثار، ووضعت  في متحف روكفلر داخل "إسرائيل".  عدد من الزوار سجلوا شهادتهم بهذا الشأن، ويقول المؤرخ  فلندرز: "لو حفرت كل شبر بغزة لوجدت فيه آثار كونها كانت جسرا وقنطرة يمر عليها كل القادمين من الشرق والغرب".

مواقع مهددة

فيما يتعلق بالمواقع المهددة بالاندثار حصر الدكتور اليافاوي عدداً منها على سبيل المثال تكايا ومساجد في غزة القديمة، قبر المغازاة وسط قرية المصدر، مقبرة الشوباني الأثرية على ساحل النصيرات، مجموعة من الصوامع كان البدو يطلقون عليها "هرابات" جرى طمسها ومنها رومانية وكنعانية ومقام الَولية الصالحة خضرة الطنطاوي في قرية المصدر في مدينة دير البلح.

215 معلماً أثرياً من بينها (140) بيتاً أثرياً في قطاع غزة، حسب ما صرح به مدير عام الإدارة العامة للآثار والتراث الثقافي الدكتور جمال أبو ريدة، حيث قال: "الوزارة تقوم حالياً بترميم وتسييج موقع هيلاريون كونه أكثر المواقع الأثرية المهددة بفعل عوامل التعرية، بتمويل قيمته 20 ألف دولار من اليونسكو لتنظيف المكان من العشب الزائد وترميم قطع الفسيفساء وتسييجه لحمايته وفتحه أمام الزائرين.

إمكانيات متواضعة

وأشار أبو ريدة إلى أن الوزارة تعمل على قدر إمكانياتها المالية المحدودة لحماية المواقع الأثرية عبر توظيف عدد من الشباب لهذا الغرض، ولكنها لم تستطع توظيف المزيد، وتستعيض عن ذلك بالقيام بجولات ميدانية بين الفينة والأخرى لمراقبة تلك المواقع وهي ليست غافلة وغائبة عنها.

ونفى احتمالية سرقة ونهب وتهريب جزء من الآثار في عهد حكومة غزة ، مؤكداً أن  الوزارة معنية بالحفاظ على الإرث الحضاري والإنساني، بل وتقوم بمقاضاة من يتعدى على هذه الأماكن مهما كان شأنه.

ونبه إلى أن هناك مجموعة من المواقع الأثرية مهددة بالاندثار جراء عدم قدرة الوزارة على تحمل تكاليف عمليات ترميمها وحمايتها، وأن أكثرها على سبيل المثال لا الحصر منقطة البلاخية على حدود مخيم الشاطئ في غزة، تل السكن في منقطة الزهراء وسط القطاع وتل القيش وغيرها.

ولم يقلل أبو ريدة من  أثر الانقسام على عمل الوزارة وتقصيرها في عمليات التنقيب عن المواقع الأثرية الجديدة، وذلك في ظل أزمة الرواتب، وعدم تخصيص موازنات لهذا الغرض، فبالكاد الوزارة تدير سير العمل اليومي في المواقع الأثرية.

تقاعس

وتنتقد الكاتبة والباحثة دنيا الأمل إسماعيل تقاعس دور المجتمع المدني حيال حماية الإرث الحضاري المادي والآثار، معتبرة أنه لا  يشكل أولوية للمجتمع المدني كونه من الموضوعات غير الجاذبة للتمويل.

وتشير إلى أن الجهود المتناثرة التي بذلت على مدار سنوات متفرقة لم ترق إلى نهج وممارسة دائمة لإعادة الاعتبار لهذا الإرث الحضاري بالتزامن مع ضعف اهتمام الجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية.

الاختصاصية في التاريخ القديم والآثار هيام البيطار، عبرت وبحسرة بالغة عن استيائها مما حلَ بآثار غزة وتاريخها القديم من محاولات الطمس والتذويب والسرقات على مر الحقب التاريخية الماضية، موضحة أن مدينة غزة تمثل كنزاً مدفوناً يحتاج إلى من يمد له يد التنقيب ليرى النور، لا سيما وأن عملية التنقيب تحتاج  إلى موازنات مالية كبيرة وقرار وطني واحد، حيث تبلغ كلفة التنقيب عن كل موقع أثرى 60.000 دولار.

آثار تصارع الموت

وأضافت البيطار أن هناك عدة مواقع أثرية تصارع الموت منها منطقة البلاخية التي تعد من أشهر المواقع على مستوى "الشرق الأوسط" حيث عايشت العديد من العصور بدءا بالحديدي ومرورا باليوناني والروماني والبيزنطي وانتهاء بالعصر الإسلامي حيث كانت تعرف بميناء انثيدون، معبرة عن أسفها من التعدي على هذه المنطقة التاريخية وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة حتى أمام من يرغب في زيارتها من المهتمين والزائرين.

وتابعت "تل قريش في المنطقة الوسطى سيصبح شارعاً بعد أن جرى نهب رماله من قبل المواطنين وتجريف تلاله الرملية، وتل السكن الذي جرى التعدي عليه وإقامة جامعتي فلسطين وغزة على ترابه وهو أقدم معلم ويعاصر مدينة أريحا التاريخية ومنها أيضا منطقة تل العجول" المغراقة" التي غابت معالمها وأصبحت منطقة سكنية".

فراغ أمني

واعتبرت المختصة البيطار أن فترة الفلتان أو الفراغ الأمني عامي (2006-2007) غيبت الرقابة عن تلك المواقع بحكم حالة الفوضى التي ساهمت في التعدي على المواقع الأثرية بالزحف العمراني دون حسيب ورقيب، لافتة أن وزارة السياحة لا يوجد لديها إمكانيات ضبط ورقابة على مدار الساعة لعدم توفر موازنات توظيف لحراسة تلك المواقع.

واتهمت وزارة السياحة السابقة بالتقصير حيث كانت تقوم بأعمال التنقيب ولم تتابعها، تاركة تلك المواقع والأراضي لتمتد إليها يد البلديات كما حصل في المقبرة الرومانية في جباليا، عدا عن أن السلطة الفلسطينية ورثت تركة ثقيلة خلفها المجرمان البريطاني والإسرائيلي، مما ساهم في تضييع وسرقة الكثير من تراثنا الوطني الذي أصبح يتواجد في المتاحف "الإسرائيلية".

غياب التوثيق

ولفتت أنه لا توجد كتب وثقت مدينة غزة القديمة سوى كتاب واحد للمؤرخ والكاتب فلندرز بتري ولم توجد أية نسخة منه في فلسطين، وهو مكون من أربعة أجزاء تحدثت عن كنوز مدينة غزة القديمة عبر عصور متنوعة وهذا الكتاب يقدر ثمنه بـ 800 يورو.

ويتفق أستاذ علم الآثار القديمة بقسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية الدكتور أيمن حسونة برأيه عمن سبقه أن هناك مهددات طبيعية وبشرية لمعظم المواقع الأثرية خاصاً بالذكر "البلاخية" التي تتعرض لعوامل تعرية بفعل مياه البحر وتآكل الساحل الشاطئي جرّاء إقامة رصيف ميناء الصيادين، حيث تحجز الرمال والأحافير البحرية المتحللة القادمة مع التيار المائي المتجه بشكل طبيعي من الجنوب إلى الشمال، ويترسب بشكل طبيعي على الساحل مما يساهم بالحفاظ على التوازن البيئي لرمال شاطئ البحر؛ لا سيما وأن الجزء الذي يقع شمال الميناء مباشرة يستمر تأثيره إلى منطقة موقع الآثار الواقع شمال غرب مخيم الشاطئ للاجئين.

ويتابع أن مياه الصرف الصحي تندفع بقوة على الشاطئ مسببة تآكلاً في الطبقات أو الأطلال الأثرية المتبقية.

تعديات بشرية

كما عرج حسونة على التعديات البشرية المتمثلة في المد الحضري والمعماري الذي يقام على أجزاء مختلفة من الموقع إما بشكل عشوائي كغرف ومعرشات الصيادين، أو بشكل منظم من قبل مؤسسات ووزارات مختلفة .

وبين أن هناك مواقع أثرية أخرى تواجه خطر الاندثار جراء استخدامها كمقلع مثل تل السكن الذي يعود للعصر البرونزي القديم (3200 قبل الميلاد) وقد تم فرزه لمؤسسات وجمعيات متعددة، وموقع تل قريش في دير البلح ويعود للعصر الحديدي (القرن الثامن ق.م)، حيث استخدم كمقلع رمل ونبش عشوائي، مما سبب تعري جدران أسواره الخارجية وهي من اللبن وتحتاج لحماية ومشاريع تطويرية أيضا.

توصيات ومعالجات

ويرى اليافاوي أن المطلوب لإعادة الاعتبار لتراثنا الحضاري أن تضع وزارة السياحة والآثار يدها بإحكام على بعض المعالم التراثية في قطاع غزة، معرفة المخطوطات الموجودة عند عددٍ من العائلات وتعميم المعرفة للجمهور، وتنظيم دورات تدريبية للشباب المتخصصين في دائرة السياحة والآثار في الخارج، إعادة دراسة تاريخ غزة الأثرية ومعرفة الآثار التي تم سرقتها وتهريبها عبر ما أسماهم" عصابات الآثار" المحافظة على ما تبقى من ارث حضاري خاصة في بعض البيوت في المحافظة الوسطى مثل عائلة أبو سليم وغيرها.

كما طالب كذلك بتخصيص رحلات موسمية لطلبة المدارس للتعرف على الآثار وتوفير مجلدات وصور للمواقع الأثرية وتعليقها على جدران فصول المدارس والجامعات" لأن أمة بلا تراث هي أمة بلا تاريخ، وأن صراعنا مع الاحتلال، هو صراع ليس عقائدي فحسب بل صراع حضاري تراثي تاريخي".

وأكد البيطار أن المطلوب الوعي بأن غزة كنز أثري يجب أن يشكل أولوية وليس موضوع ترفي، فهو يمثل تاريخنا الذي يجب أن ينقل للأجيال القادمة، عبر التعريف بالتراث، وهو ليس دور فرد أو مؤسسة أو وزارة أو وسيلة إعلامية بل هو مسؤولية متكاملة من قبل الجميع.