20.57°القدس
20.22°رام الله
19.42°الخليل
25.05°غزة
20.57° القدس
رام الله20.22°
الخليل19.42°
غزة25.05°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

الانتفاضة والرؤية الجيوسياسية العربية

حازم عياد
حازم عياد
حازم عياد

الموازين العربية باتت مختلة والتحالفات والمحاور هشة، إذ تعاني من حالة سيولة بتأثير من الهواجس والتباينات العربية الداخلية والخارجية، ويفاقم هشاشتها وضعفها التقارب مع الكيان الاسرائيلي؛ فالتباينات والمصالح الضيقة باتت تحكم مسار التحالفات العربية، بشكل سهل على الكيان الاسرائيلي اختراقها والعبث فيها، ففي الوقت الذي يحقق فيه الكيان الاسرائيلي مكاسب كبيرة من اختراق هذه التحالفات على صعيد القضية الفلسطينية، فإن الكلف والخسائر التراكمية من الانفتاح العربي على الكيان الاسرائيلي تتضاعف دون مكاسب ترتجى؛ فالكيان الاسرائيلي يتقن توظيف هذه العلاقات دون تحمل اي كلف من الاصطفاف الطائفي او الدولي الامريكي الاوروبي الروسي.

الانتفاضة الفلسطينية ومشروع التحرر والاسترداد يمثل الضحية الاساسية للتصارع العربي، والخلل في التوازنات الاقليمية والمحكومة بهواجس سياسية داخلية في مجملها، فالدول العربية فشلت في توظيف الانتفاضة في تعزيز مكاسبها الاستراتيجية وتعزيز حضورها الاقليمي، كما فشلت من قبل في توظيف المقاومة الفلسطينية في بناء مشروع عربي اقليمي؛ الامر الذي نجحت فيه طهران من قبل.
فرغم النجاح الذي أحرزته مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في أوروبا وامريكا لمقاطعة الكيان الاسرائيلي عبر حملة المقاطعة BDS، والنجاحات المتحققة في مجال عزل الكيان الاسرائيلي في امريكا الجنوبية واللاتينية، والملاحقات القضائية لقادة الكيان في المحاكم الاوروبية، الا ان الكيان الاسرائيلي لازال قادرا على ارباك الحملة وتقويضها من خلال اختراق الساحات العربية سواء في المجال الاقتصادي او السياسي، الامر الذي يفاخر به رئيس وزراء الكيان نتنياهو معتبرا ذلك استراتيجية فاعلة في مواجهة حملات المقاطعة، والتي كان من المتوقع ان تشتد في اعقاب الانتفاضة الفلسطينية.

ليظهر في الصورة الكيان الاسرائيلي الذي أتقن توظيف التحالفات العربية الهشة والفاقدة للتجانس في خدمة الاحتلال والهيمنة على فلسطين ارضا وشعبا، فارضا مزيدا من الضغوط على الشعب الفلسطيني، موجها بذلك رسائل قوية لدفع الفلسطينيين القبول بالأمر الواقع الممثل بتمدد الاستيطان والسيطرة على القدس والاقصى وشرعنة سياسة الاحتلال القائمة على الاغتيال والقتل والحرق والاعتقال، الامر الذي يضاعف من ازمة الدول العربية بإضعاف مناعتها الخارجية والداخلية في مواجهة التحديات، فالقضية الفلسطينية ترسم في حدودها المفهوم التقليدي للأمن القومي العربي وغيابها يعني ضياع هذا الامن وضياع البوصلة جغرافيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا بل واقتصاديا ايضا، معززا بذلك حالة التيه الذي يعيشه العرب منذ اكثر من 100 عام.

المكاسب المتحققة عربيا من التقارب الاقتصادي والسياسي مع الكيان الاسرائيلي بدورها ذات طبيعة اشكالية، تعكس خللا واضحا في القراءة العربية للمشهد الجيوسياسي الآخذ في التبلور في المنطقة، اذ يذهب بعض مثقفي الكيان الاسرائيلي الى القول ان التقارب بين الكيان ودول عربية بعينها يجب الا يقود الكيان ليكون طرفا في الصراع السني الشيعي، او في الصراع مع روسيا لتصبح الصورة هزلية، فالرابح الحقيقي من العلاقات مع الدول العربية هو الكيان الاسرائيلي دون خسائر او اعباء، والاهم دون مكاسب فعلية للدول العربية اذ ستعزز الانقسام السياسي الداخلي في العالم العربي مهددة بتقويض الشرعية السياسية والثقافية، وتؤسس لمزيد من الصراعات والانقسامات الأخذة في التعمق سواء على المستوى المحلي والاجتماعي اوعلى المستوى الاقليمي والدولي؛ مضعفة بذلك مناعة الدول العربية وقدرتها على التعامل مع التحديات الجيوسياسية والاقليمية ومن ضمنها الارهاب.

العرب دون استراتيجية وصراعاتهم الداخلية على مستوى القطر او على مستوى الاقليم في ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان يزيد من هشاشة السياسات المتبعة، ويجعل اليد الطولى للكيان الاسرائيلي الذي يتغلغل في البنية الاقتصادية والسياسية دون ان يتحمل اي تبعات سياسية او كلف اقتصادية، سواء كان ذلك في قطاع الطاقة «الغاز» الذي يلعب دورا في صياغة التحالفات الجيوسياسية كما هوالحال بين الكيان الاسرائيلي ومصر وقبرص واليونان وروسيا مستهدفا بذلك تركيا بشكل اساسي، اوالتحالفات المتعلقة بمواجهة ايران في الخليج العربي والتي تضم امريكا، اوالعلاقات البنيوية المتعلقة بمشاريع المياه في نواحي اخرى من العالم العربي وتضم استثمارات اوروبية.

الكيان الاسرائيلي كما هو واضح بات حاضرا وموجودا في كل التحالفات دون كلف متوقعة، محرزا بذلك اختراقا عميقا دون تحمل اي كلف سياسية اوامنية او اقتصادية، سواء على الصعيد الداخلي اوالاقليمي بل مكاسب واضحة في محاصرة وقمع الفلسطينيين، ومحاصرة انتفاضتهم، فهي الهدف والغاية من الاختراق الصهيوني العميق للمنظومة العربية المتهاوية، امر بات يضعف الجهد الفلسطيني الاستثنائي في داخل فلسطين وخارجها لمواجهة التهديد الاستراتيجي التقليدي الممثل بالكيان الاسرائيلي؛ فالاختراق الصهيوني واضعاف الانتفاضة يضعف مناعة الانظمة العربية داخليا امام مظاهر التطرف والانقسام السياسي، الى جانب إضعاف مناعتها وقدرتها على مواجهة التهديدات الجيوسياسية المتعاظمة في الاقليم والعالم، فالعرب مرة اخرى يكررون الفشل من حيث نجحت طهران وانقرة.