لا نعرف إن كان الروس والصينيون قد قرأوا دستور بشار الأسد الجديد، أم أن ترحيبهم به هو لمجرد كونه جديدا ويأتي في سياق ما يسميه النظام “إصلاحات”، وهي إصلاحات رحب ويرحب بها بكل حماسة الأمين العام لحزب الله، تماما كما يفعل أولئك النفر من المتحدثين الذين خصصهم النظام للفضائيات “المعادية”. نعلم تماما أن موقفي روسيا والصين هما جزء لا يتجزأ من اللعبة الدولية على المواقع والنفوذ، اللهم إلا إذا رأى شبيحة النظام أنهما يفعلان ذلك انحيازا للمقاومة والممانعة، وفي سياق من خدمة المقاومة في فلسطين وإنهاء المشروع الصهيوني. فيما نعلم أن لدى القيادة الصينية تحديدا حساسية مفرطة حيال قصة الديمقراطية، وهي من أكثر المعادين للربيع العربي، وبالطبع تبعا لخشيتها من انتقال عدواه إلى الداخل الصيني المطحون بالدكتاتورية الشمولية المعجونة بحرية السوق (خلطة شيوعية رأسمالية!!). ليس هذا هو موضوعنا، فنحن نتحدث عن الدستور السوري الجديد الذي سيٌستفتى عليه الشعب السوري (مؤيدو بشار بالطبع) يوم غد الأحد، فيما يتوقع أن تكون أرقام المشاركين “فلكية” من أجل التأكيد على ترحيب السوريين بإصلاحات رئيسهم العظيم!! سنمر على الدستور، أولا من أجل التسلية، وثانيا من أجل فضح إصلاحات النظام، لكن موقفنا لم يكن ليتغير لو استعار النظام دستور سويسرا أو السويد، والسبب كما يعلم أبسط العارفين بشؤون السياسة والحكم هو أن من يتحكم بالجيش والأجهزة الأمنية هو الذي يحكم البلاد من الناحية العملية، وليس الحكومة والوزراء، بخاصة في العالم الثالث. بل إن أي وزير لا يمكنه التورط في تحدي ضابط عادي في المخابرات (هناك 17 جهازا أمنيا في سوريا). هل كانت مشكلة اليمن مثلا وتونس، وحتى مصر في الدستور؟ كلا بالطبع، فالدساتير إياها جيدة بهذا القدر أو ذاك، وهي أفضل من دستور بشار الجديد، لكن ذلك لم يحل دون حكم العائلات والفساد الرهيب، ومن ثم الاكتفاء من الديمقراطية بالديكورات الخارجية، ما يعني أن سوريا بعد دستور بشار (بفرض بقائه، وهو لن يبقى بإذن الله) ستستنسخ ديمقراطيات الديكور العربية التقليدية المدججة بالفساد وتزوير الانتخابات بكل أشكالها. إن نظاما أمنيا طائفيا مثل النظام السوري لا يمكن أن يحتكم إلى دستور مهما كانت طبيعته، وإلا فهل ينسى الشعب السوري كيف جرى تغيير الدستور من أجل بشار الذي لم يكن قد بلغ السن القانوني بعد موت أبيه خلال خمس دقائق، مع العلم أن الدستور الجديد قد أعاد السن القانوني للرئيس إلى ما كان عليه سابقا (40 عاما)!! هذا البعد المتعلق بتحكمه بالدولة تبعا لسيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية لم يكن كافيا كي يتواضع الرئيس قليلا في الدستور ويقلل من صلاحياته ومستوى حصانته، فكان أن أفرط في ذلك على نحو جعل من الدستور مجرد أداة لتحكمه بالحياة السياسية برمتها. سنقوم هنا باقتطاف بعض النصوص من الدستور من أجل التسلية، ولكي يرى القارئ أية ديمقراطية يبشر بها بشار الأسد شعبه، هو الذي تواضع بقبول ولايتين (ما الذي يمنعه من تغيير النص بعد ذلك؟!)؛ كل ولاية بسبع سنوات (العرف العالمي هو أربع سنوات). وقد قام أحد الإخوة السوريين بإجراء دراسة طويلة حول الدستور، لكننا سنقتطف بعض النصوص التي تؤكد الصلاحيات المطلقة مع الحصانة شبه الكاملة للرئيس، من دون ذكر أرقام المواد لأن المقال لا يحتمل. رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها أثناء مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناءً على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل، وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا. مع العلم أن هذه الأخيرة يتولى الرئيس تسمية أعضائها السبعة، وهو من يَرأس مجلس القضاء الأعلى أيضا. يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفائهم من مناصبهم. يضع رئيس الجمهورية في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها. يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، ويحق له الاعتراض عليها بقرار معلل خلال شهر من تاريخ ورودها إلى رئاسة الجمهورية، فإذا اقرها المجلس ثانية بأكثرية ثلثي أعضائه أصدرها رئيس الجمهورية. يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسته وبأكثرية ثلثي أعضائه، على أن يُعرض على مجلس الشعب في أول اجتماع له. رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، و يصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة وله التفويض ببعضها. يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين و ينهي خدماتهم وفقا للقانون. يبرم رئيس الجمهورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها وفقا لأحكام الدستور وقواعد القانون الدولي. لرئيس الجمهورية أن يقرر حل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه. يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلا. بقي القول إننا إزاء نظام أعمى، إذ حتى حين سعى لإثبات عزمه على الإصلاح، لم يجد غير هذا الدستور البائس كي يقدمه للناس، فهل يملك الشعب السوري بعد ذلك غير المضي في ثورته حتى الانتصار الكامل؟!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.