20.57°القدس
20.22°رام الله
19.42°الخليل
25.05°غزة
20.57° القدس
رام الله20.22°
الخليل19.42°
غزة25.05°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

الانتفاضة مستمرة

كمال الشاعر
كمال الشاعر
كمال الشاعر

شاءت الأقدار أن يكون التاسع من شهر كانون الأول من عام 2015م يوم أربعاء، كما كان التاسع من شهر كانون الأول من عام 1987م يوم أربعاء، وهو اليوم الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عُرفت عالميّاً بانتفاضة الحجارة.

فلقد اسْتُعمِل مصطلح الانتفاضة أول مرة أواخر عام 1987م، حينما اشتعلت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ ذلك التاريخ خاض الشعب الفلسطيني العديد من الانتفاضات والهبات في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

ففي صباح يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول عام 1996م انطلق الشعب الفلسطيني في مسيرات منددة بالممارسات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى، وافتتاح حكومة الاحتلال نفقًا تحت قبة المسجد الأقصى، وهذه الهبة الشعبية التي عُرفت بهبة النفق حصلت هذه المرة في ظل وجود السلطة الفلسطينية على رأس سدة الحكم، على عكس الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ظل وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، لكي يُثبت الفلسطينيون لأصحاب نهج المفاوضات أن هذا الرهان سقط أمام خيار الشعب الفلسطيني الذي انتفض من أجل نيل حقوقه عن طريق الرفض الشعبي، وتقديم المزيد من التضحيات، وكان نتيجة هذه الانتفاضة ارتقاء نحو 65 شهيداً، وجرح نحو 1600 مصاب.

وبعد نحو ست سنوات وفي التوقيت نفسه تقريباً اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر عام 2000م، على إثر اقتحام المجرم شارون باحات المسجد الأقصى تحت حراسة ما يقارب ألف شرطي من قوات حرس الحدود الإسرائيلي، وعلى إثر هذا الاقتحام اشتعلت شرارة الانتفاضة، ولكن هذه المرة تميزت بكثرة المواجهات المسلحة، وتصاعدت وتيرة العمليات العسكرية بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتوقفت فعليّاً في 8 فبراير عام 2005م، بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ، وجمع الرئيس الفلسطيني المُنتخب حديثاً آنذاك محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، وكان نتيجة تلك الانتفاضة حتى عام 2005م نحو 4400 شهيد و50000 جريح.

ولكن السبب الحقيقي لهذه الانتفاضة لم يكن حادث الاقتحام الذي قام به المجرم شارون، وإنما كان هذا الاقتحام الشرارة التي أشعلت فتيل الانتفاضة، أما السبب الحقيقي فهو الشعور العام لدى الشعب الفلسطيني بالإحباط بسبب عدم جدوى خيار المفاوضات، خاصة أن المدة المقررة لتطبيق الحل النهائي كانت قد انتهت بناء على اتفاق أوسلو المُهين، ولم يحصل المفاوض الفلسطيني على أي شيء سوى المزيد من التعاون الأمني من أجل ضمان بقاء الاحتلال الإسرائيلي وشعوره بالأمن على كامل التراب الفلسطيني. 

فالانتفاضة الأولى كان السبب في اندلاعها حادثة الشاحنة الإسرائيلية، التي دهس سائقها عددًا من العمال الفلسطينيين عند حاجز بيت حانون في 8/12/1987م، وفي أثناء تشييع جثامين الشهداء ثاني يوم في معسكر جباليا اندلعت مواجهات بين سكان المخيم وقوات الاحتلال الموجودة في مركز شرطة جباليا، وارتقى على إثرها عدد من الشهداء وجرح آخرون.

فالحادثة كانت الشرارة التي أشعلت فتيل تلك الانتفاضة، في حين كان السبب الحقيقي لاندلاع الانتفاضة هو الوعي الذي يتمتع به الشعب الفلسطيني، وعدم تقبله للاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرضه منذ عام 1948م، وأنه لم يستطع أن ينسى مشهد التشريد والتهجير القسري لأبناء القرى والمدن الفلسطينية، الذين تركوا ديارهم وقراهم هرباً من بطش العصابات الصهيونية في أثناء الإعداد والتجهيز لإقامة كيانهم الجديد الذي عُرف بعد ذلك بـ(إسرائيل).

وبذلك تكون الانتفاضة الفلسطينية الأولى قد حققت نتائج سياسية غير مسبوقة؛ فبفضلها اعترف أول مرة بوجود الشعب الفلسطيني، وإن كان خارج أرضه في مخيمات اللجوء، وأخذ الاحتلال يراجع حساباته في ممارساته ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن _يا للأسف!_ لم تستثمر تلك الانتفاضة جيداً، بل استثمرت بهذا الاتفاق المهين الذي عُرف باتفاق أوسلو عام 1993م.

فهل يكون مصير الانتفاضة الثالثة مثل الانتفاضات السابقة، تُفضي إلى اتفاقيات تكون مخرجًا ومهربًا للاحتلال الإسرائيلي، والتنصل من التزاماته تجاه الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني المستقل، بعد فشل رهان المفاوضات أكثر من مرة واندلاع أكثر من انتفاضة؟