"في الحضيض" هو الوصف الذي يجمع عليه المراقبون للحالة التي وصلت إليها حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية. فلا يخفى على أحد الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المواطن ليل نهار من الاحتلال الإسرائيلي، ليأتي الانقسام ويزيد الطين بلة، وتضاف إلى قائمة الانتهاكات سواء في التعليم والصحة والتنقل والعيش بكرامة أشكالا جديدة تتمثل في الاعتقال السياسي والتعسفي والفصل من العمل ومنعه من التعبير عن رأيه ومعتقداته وهو ما يجري بشكل جلي في الضفة الغربية.
لكن الغريب في الأمر، وجود العشرات بل المئات من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية التي ترصد تلك الانتهاكات، لكن أثرها غير ملموس تقريبا، وتكتفي بالرصد وتعبئة الاستمارات.
تلك المؤسسات تبرر وجودها بتطوير وتنمية المجتمع من خلال الاهتمام والعناية بالإنسان والحفاظ على حقوقه التي كفلها له الدستور.
غير أن المفارقة تكمن في ارتفاع حدة الانتهاكات وتزايدها رغم وجود هذا العدد الكبير من مؤسسات حقوق الإنسان. فما الدور الذي تلعبه تلك المؤسسات؟ وهل باتت تكتفي بإصدار البيانات والتقارير؟ وهل لتمويلها دور في عملها؟ ولماذا لا تتعاون هذه المؤسسات مع بعضها البعض؟ والأهم من ذلك لماذا تزيد الانتهاكات ولا تتراجع؟.
لا نملك صفة الإلزام
السلطتان في الضفة وغزة هما السبب الرئيسي فيما وصلت إليه حقوق الإنسان في فلسطين، حيث تتنافسان ليس على تقديم الأحسن والأفضل للمواطن بل على انتهاك حقوقه المختلفة برأي الحقوقي خليل أبو شمالة، الذي ينوه في حديثه لـ"فلسطين الآن" إلى أن منظمات حقوق الإنسان تتحدث باسم القانون وتدافع عنه لكنها لا تملك صفة الإلزام، فعملها يعتمد على عنصرين هما، التوثيق من خلال الاستماع لشهود العيان وأخذ إفاداتهم، والنشر من أجل كشف المعلومة للرأي العام والضغط على الجهات صاحبة القرار.
ويؤكد أبو شمالة أن حقوق الإنسان في فلسطين في أسوء حالاتها بسبب الانقسام، إضافة لحالة "الكسل والخمول" التي تعاني منها القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة، وأنه لولا عمل المنظمات الحقوقية ونشاطها الملموس لكانت الصورة أكثر سوداوية.
منح حسن سيرة وسلوك للسلطة الحاكمة ليس من مهام منظمات حقوق الإنسان التي عليها أن تراجع نفسها في حال كانت علاقتها بالسلطة جيدة، فحينها ستخضع هذه الحقوق للمساومة بحسب أبو شمالة، الذي يرى أن الوضع الطبيعي أن يكون هناك صراع بين الجهتين من أجل تثبيت حقوق الإنسان من جهة وتحالف من أجل سيادة القانون من جهة أخرى.
اسطوانة مشروخة
ووصف أبو شمالة الاتهامات التي تتعرض لها منظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية فيما يخص تمويلها الخارجي الأمر الذي يحدد سياستها، بأنها "أسطوانة مشروخة" يجب أن تتوقف، ونحن لا نتلقى تمويلا أمريكا تحت أي مبرر كان، مع العلم أن تمويل السلطة أجنبي.. وأقول لكل من يستخدم التمويل حجة للهجوم علينا "لك أن تحاسبنا على مدى التزامنا بالقانون ومدى دفاعنا عن حرية الرأي والتعبير، لا على تمويلنا".
وحول التنسيق بين المؤسسات التي تعمل على هذا الصعيد، أشار أبو شمالة إلى أن تأسيس مجلس حقوق الإنسان في فلسطين خطوة جيدة، "ونحن في الضمير لا نرى أننا ننافس أحد.. بل نعمل على برامج مكملة للمؤسسات الأخرى والمنافسة يجب أن تكون بغرض إنفاذ وتطبيق القانون".
على الفصائل التحرك
ويرى مدير الضمير أن الحل يكمن في القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة، فعليها أن تغادر حالة الرتابة والخمول التي تمر بها، وأن تلتقط ما يصدر عن مؤسسات حقوق الإنسان وتبرزه وتدافع عنه في وجه من ينتهك القانون، كما يجب تفعيل المجلس التشريعي، حيث أن تعطله عن العمل سبب رئيس وهام في استمرار السلطات التنفيذية في انتهاك الحقوق فهي تدرك أنه لا يوجد من يراقبها أو يدافع عن حقوق العباد، إضافة لإعادة الاعتبار للسلطة القضائية التي لم تعد السلطة في الضفة أو غزة تعترفان بها أو تنفذان ما يصدر عنها من قرارات.
نلجأ للبيانات والتقارير
اللجوء للبيانات أحد الأساليب التي تسعى من خلالها مؤسسة الحق للضغط على الجهة المنتهكة للقانون، فالعمل في مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان يمتاز بالودية، فهي لا تملك الأدوات الكافية للردع بحسب ناصر الريس المستشار القانوني للمؤسسة، الذي يشير إلى أنهم يتواصل أيضا مع القناصل العرب والأجانب ليضغطوا بدورهم على السلطة الحاكمة لتوقف انتهاكاتها.
ويشترك الريس مع أبو شمالة في تقييمه السلبي لحال حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، التي يرى أنها باتت تخضع للتسييس، فالمحسوب على الفصيل الحاكم سواء في الضفة وهم عناصر فتح أو في غزة وهم من حماس يتمتعون بحقوقهم في التعبير عبر رأيهم وفي إقامة التجمعات وكذلك في العمل والتوظيف وحتى في تلقي الخدمات العامة كالتعليم والصحة وغيرها، أما بقية الشعب فلا بواكي لهم أو عليهم.
ويرى الرس في حديثه لـ"فلسطين الآن" أن التبرير الذي يسوقه كل طرف لانتهاكه للقانون ولحقوق المواطنين من أنه يخشى من أن يباغته الطرف الأخر أمر مرفوض، لان ذلك جعل كل شيء مباح تحت شعار حماية الأمن العام.
نتحمل جزء من المسؤولية
إلا انه يخالف الرأي القائل بأن منظمات حقوق الإنسان لا تتحمل مسؤولية تدهور الحقوق في الأراضي الفلسطينية، حيث يؤكد أنها ليست بريئة تماما من هذه التهمة، لا سيما مع وجود منظمات محسوبة على الطرفين تغض النظر عما يرتكبه فصيلها وحزبها من انتهاكات، ما جعلها أداة في يد الحزب الحاكم يستخدمها وقتما يشاء.
كما يرفض أن لا تسمي المنظمات الحقوقية في تقاريرها وبياناتها الجهة المنتهكة لحقوق الإنسان، ما يجعلها غير ذات قيمة.
لكنه يعود ليوافق من سبقه بأن الهجوم الذي تتعرض له مؤسسات حقوق الإنسان من الجهات الحاكمة أو المسيطرة في حال انتقدت أدائها أمر طبيعي، ويقول "هدفنا كشف الحقيقة ولا يهمنا ما يقوله الآخرون..علاقتنا بالحزب المسيطر يحكمها القانون ويهمنا مدى احترام وتطبيق هذه الجهة لحقوق الإنسان، مع إدراكنا للصعوبات التي قد تضعها في طريقنا لتمنعنا من أداء دورنا. كما أننا ندرك أنها قد توظف في نصدره لصالحها في حال كانت ينتقد أداء الجهة المنافسة".
نرفض الشروط
عن التمويل يؤكد الريس أن الحق هي المؤسسة الوحيدة التي لا تتلقى دعما على أساس المشاريع التي تنفذها، بل بناء على خطة يتم وضعها من العاملين في المؤسسة لمدة ثلاث سنوات وعلى أساسها يأتي الدعم، لكننا بجميع الأحوال نرفض الانصياع لأية مطالب تختزل من حقوقنا، كما أننا نشترط في الجهة الممولة أن تكون من الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني وتقر بحقه في تقرير مصيره.
وفيما إذا كانت مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين تتكامل أم تتنافس، يشير الريس إلى أن الواجب عليها أن تتعاون حتى يعطيها ذلك قوة وتأثيرا أكبر وهو ما دفع باتجاه تشكيل مجلس حقوق الإنسان، "واشترطنا في المؤسسات المنضمة إليه أن تكون مسجلة رسميا ولها موازنة مالية مدققة سعيا نحو الشفافية والنزاهة وأن تكون عاملة في هذا الصعيد منذ ثلاث سنوات على الأقل وبالتالي تمتلك الخبرة الجيدة، والأهم أن تكون تتلقى دعما ماليا من جهات تدعم حقوق الفلسطينيين".