13.89°القدس
13.45°رام الله
12.75°الخليل
19.62°غزة
13.89° القدس
رام الله13.45°
الخليل12.75°
غزة19.62°
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
4.82جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.82
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.75

هل ستعود “حماس” للعمليات التفجيرية داخل “إسرائيل”؟

أيمن دلول
أيمن دلول
أيمن دلول

انتفاضة فلسطينية أخرى اندلعت في وجه الاحتلال الإسرائيلي مطلع أكتوبر الماضي، وهي انتفاضة شعبية جاءت لترفع إشارة “التوقف” للاحتلال الإسرائيلي وكافة الأطراف التي تجاهلت ولا تزال المعاناة الفلسطينية على مدار عقود من الزمن، في ظل المماطلة لمنح الشعب الفلسطيني حقه السليب. جاءت هذه الانتفاضة التي اصطلح الفلسطينيون على تسميتها بـ” انتفاضة القدس” لتقول لجميع الأطراف “كفى”، وآن أوان إنصاف الفلسطينيين وليس مواصلة إدارة الظهر لهم.
 
1
مشهد لتدمير باص إسرائيلي خلال إحدى العمليات للمقاومة الفلسطينية
ومع اندلاع الانتفاضة تنوعت الوسائل وبدأت تتدرج شيئا فشيئا، كانت البداية مع الحجر، ثم انطلقت إلى السكين، حتى وصلت إلى عمليات إطلاق نار استهدفت حواجز الاحتلال المنتشرة بالمئات في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، وهي عمليات حرص منفذوها على استهداف المستوطنين والجنود وتجاهلوا قتل أطفال الإسرائيليين رغم أنهم كانوا في هدف قصير وسهل لنيرانهم، في إشارة منهم بأن المقاوم الفلسطيني يمتلك نظرة إنسانية لا يُفلح كل العالم في امتلاكها تجاهه ومنحه لحقوقه السليبة.
 
مع استمرار موجات انتفاضة القدس في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ظهر الكثير من المحللين والقادة العسكريين الإسرائيليين محذرين من تصاعد حدة هذه المطالب الشعبية الفلسطينية والتصعيد في وسائلها وصولاً للعمليات التفجيرية والاستشهادية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية خلال الأعوام الخمسة الأولى من انتفاضة الأقصى في الفترة الممتدة من (2000- 2005)، وهي العمليات التي قلبت رأس قادة الاحتلال على عقب وجعلتهم يقفون شاخصين أمام منفذي تلك العمليات، دون المقدرة على وقفها أو السيطرة عليها، وهي العمليات التي حققت منجزات كبيرة للفلسطينيين وأدت لهجرة عكسية للإسرائيليين المغتصبين للأرض الفلسطينية.
 
وأمام استمرار الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين يطفو على السطح السؤال المهم: لماذا لا تعود حركة “حماس” لاستئناف العمليات الاستشهادية “التفجيرية” داخل “إسرائيل”؟، خاصة وأن عدد القتلى في صفوف الإسرائيليين سيكون أكبر كثيراً عما هي عليه الآن من الاشتباكات الدائرة بالحجارة والسكاكين، وبالتالي فإن ذلك سيشكل ضغطاً على قادة الاحتلال الإسرائيلي للتخفيف من ضغطهم على الفلسطينيين.
 
في العام 2009م جمعني لقاء عابر بقائد أركان المقاومة الفلسطينية الشهيد القائد في كتائب القسام أحمد الجعبري، ومن باب عملي الصحفي سألته وقلت له: لماذا لا تستأنف كتائب القسام العمليات الاستشهادية ضد “إسرائيل”؟.
 
ابتسم بعدما سألته وأجابني بقوله: أعطني أربعين استشهادي جاهزين الآن في الضفة الغربية، ونحن جاهزون لتنفيذ أربعين عملية داخل “إسرائيل” في آن واحد.. قاطعته قائلاً له: هذا يعني أنكم لم توقفوا العمليات الاستشهادية، فأجابني بالنفي.
 
قبل الإجابة على سؤالي في المقال، يجب توضيح الأسباب التي دفعت حركة “حماس” وجناحها العسكري كتائب القسام للتوجه نحو العمليات الاستشهادية داخل “إسرائيل” في ذلك الوقت، وهي أسباب ستبين عما إذا كانت الحركة لا تمانع هذه العمليات في الوقت الراهن:
 
في تسعينيات القرن الماضي شنت أجهزة الأمن الفلسطينية حملات ضغط كبيرة على أنصار وقادة حركة “حماس” وذاقوا منها أشد أنواع التعذيب وصادرت بنادقهم وأسلحتهم، لكنهم آثروا في تلك الأوقات عدم الاشتباك مع تلك الأجهزة، في محاولة منهم لعدم فتح باب فتنة فلسطينية داخلية مع استمرار اغتصاب الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وهو العدو الذي يجب توجيه البندقية له. لكن ومع استمرار الضغط والاعتقالات والملاحقات اندلعت انتفاضة الأقصى فكانت منها الشرارة والتفكير بعمليات تؤثر وتؤلم الكيان الإسرائيلي وتصوب بوصلة الشعب مرة أخرى للعدو الحقيقي والمتمثل في الاحتلال الإسرائيلي، فكانت العمليات الاستشهادية، وهي عمليات من الصعب تعقب من يقوم بها، وبالتالي فمنفذها سيُفلت من الملاحقات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء.
رغم كثرة الضحايا في صفوف الفلسطينيين في الوقت الذي قامت به العمليات الاستشهادية، إلا أن المؤسسات الدولية والدول الكبرى لم تنظر للضحايا الفلسطينيين كنظرتهم للمحتل الإسرائيلي، ولأجل ذلك تم تصعيد الهجمات التفجيرية داخل “إسرائيل”، في محاولة لصفع العالم الظالم وتنبيهه لضرورة النظر للمعاناة الفلسطينية بعين عادلة وإنسانية، وهي هجمات صحيح أن البعض وصمها بـ” الإرهابية”، غير أنها فتحت شهية العالم للسؤال عن الذي يقوم بها ودافعه من وراء ذلك.
في تلك الفترات وجد منفذو تلك العمليات أنها الأكثر أثراً والأجدى نفعاً مع قلة السلاح والبنادق والتضييق على طالبها من المقاومين الفلسطينيين، فمجرد حزام ناسف قادر على قتل العشرات وتحقيق منجزات أكبر كثيراً من بنقدية لن يُفلح الثائر بتوفيرها إلا بعد سنوات طويلة وأموال طائلة ومسيرة قد يتخللها العديد من دماء المقاومين خلال تعقبهم.
وبعد تلك الحقائق يمكن توضيح موقف حركة “حماس” من العمليات الاستشهادية من خلال النقاط التالية:
 
تحاول الحركة الأكبر في الساحة الفلسطينية الضغط باتجاه استمرار تقدم الانتفاضة خلال الفترة المقبلة مع المحافظة على شعبيتها؛ لتضم الكل الفلسطيني، وهي في الوقت الراهن تكتفي بالدعم والتأييد والدفع بعناصرها للميدان، ولكن دون الإعلان عن ذلك عبر وسائل الإعلام، فمن وجهة نظرها استمرار الانتفاضة بشكلها الحالي أفضل أثراً للقضية الفلسطينية من حصرها في تنظيم هنا أو حزب هناك، والحركة تعول على عنصر الوقت، وهو الذي يعني إمكانية تغيير للحركة من استراتيجيتها بعد فترة من الزمن تمضي على عُمر انتفاضة القدس.
ترى حركة “حماس” في الوقت الراهن أن استخدام السكاكين في مهاجمة الإسرائيليين قد حقق منجزات لها أكبر كثيراً مما لو استخدمت الصواريخ، بل إن إقبال الشباب الثائر “غير المنتمي” لأي تنظيم على هذا النوع من العمليات الفردية حقق منجزات سياسية للقضية الفلسطينية ونقلها إلى العالم بشكل لم تفلح به الصواريخ الفلسطينية بهذه الدرجة في وقت من الأوقات. إن فائدة هذه العمليات أنها تأتي بشكل فردي ولا يمكن قتل المخطط لها، فالمخطط والمنفذ فرد واحد ولا يمكن استهداف غيره من قبل قوات الاحتلال، واستمرار هذه العمليات سيشكل ضغطاً كبيراً على الاسرائيليين الذين فقدوا الأمن داخل بيوتهم بينما عاشوه داخل مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة.
خلال الأيام المقبلة وعلى الأقل الأولى من عمر الانتفاضة، حركة “حماس” لا تحتاج إلى عمليات تفجيرية، ويكفيها الاعتماد على البندقية واستهداف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين على الطرق الالتفافية، وهي أهداف بالمئات في الضفة الغربية والقدس ولا تكلف الحركة فقدان عناصرها إلا ما ندر، بخلاف العمليات الاستشهادية التي تحتاج إلى عنصر على الأقل في كل عملية.
الخلاصة، إن الواقع والميدان هو الذي سيدفع الحركة “مرغمةً” على العودة لأسلوب العمليات الاستشهادية وهذا منوط بالعديد من الأمور التي ستعجل بعودة هذه العمليات. إن استمرار ملاحقة الأمن الفلسطيني لعناصر المقاومة الفلسطينية والقيام بعمليات بات الشارع الفلسطيني يضعها في خانة الخيانة والجاسوسية سيشكل أهم شرارة في عودة هذه العمليات، كما أن من شأن اشتداد التصعيد الإسرائيلي في الضفة أن يؤدي لإطلاق صاعق الانفجار لهذه العمليات، وأمر ثالث مهم هو تنفيذ أي عملية إسرائيلية في غزة كما يتم التهديد هذه الأيام عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية فهو تهديد سيحول المدن الإسرائيلية “إن حدث” إلى ساحة من الدماء لم تحدث عندها من قبل.