ماذا يعني أن يقر محلل شؤون الشرق الأوسط في دولة الاحتلال "آفي إيسخاروف"؛ بأنّه لا يُمكن وقف قطار الانتفاضة الثالثة الذي انطلق في أوائل شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، على الرغم من جهود الجيش والمخابرات؟!
وماذا يعني إقرار المُحلل في موقع (تايمز أوف إزرائيل) أنّه بمعدلٍ تقريبيٍّ يوجد يوميًا ثلاثة مُنفذي عمليات فدائيّة ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين، وهو رقمٌ لا يُمكن تخيله من ناحية، وهو خطيرٌ جدًا من الناحية الأخرى؟!
ألا يعني ذلك أن هناك شعبا قرر التخلص من الاحتلال؛ بعد أن رأى كل يوم كيف يتغول الاستيطان، وينهب أخصب الأراضي، وكيف أن جنود الاحتلال يقتلون بدم بارد وللتسلية أحيانا خيرة الشباب والفتيات الفلسطينيات، وأن حواجز الاحتلال وحملات الاعتقال اليومية تطال الأطفال والفتيات وخيرة أبناء المجتمع الفلسطيني، عدا عن الحط من كرامة الشبان وإذلالهم وضربهم على الحواجز, وغيره الكثير من القمع والتنكيل.
"نتنياهو" يناطح السحاب عندما يقول إن سبب العمليات هو التحريض؛ مع أن إعلام الاحتلال ينقل عن مخابرات الاحتلال أن أكثر من قاموا بالعمليات كانوا بمحض إرادتهم الشخصية؛ باستثناء خلية نابلس التي قتلت مستوطنين اثنين، وبسبب الوضع العام من احتلال يسلب الشبان كل أمل في حياة كريمة وحرية يعشقونها، ومستقبل أفضل يكون مشرقا بدون كوابح الاحتلال الكثيرة والمدمرة.
"نتنياهو" وإعلامه ومحللوه وكتابه يقولون إنه لا يُمكنهم أنْ يفهموا على الإطلاق كيف يظهر مئات الشبان استعدادهم للموت من دون أيّ تفكير من أجل طعن الإسرائيليين؛ وكأن الاحتلال ليس موجودا! وكأن الاحتلال ليس هو أصل كل الشرور والمظالم! وهو ما يدفع الفلسطيني ليسترخص روحه في سبيل الله والوطن؛ كي ينعم من بعده بالحرية والأمان والخلاص من الاحتلال الغاشم الذي يبتلع كل شيء؛ الإنسان والأرض وما عليها وما تحتها.
ماذا يعني أن يقر المحلل الإسرائيلي "إيسخاروف" أنّ الكثير من المحللين في دولة الاحتلال حذّروا من حدوث انفجار، لكن أحدًا منهم لم يتوقع الطريقة التي تتطور بها هذه الانتفاضة الثالثة؛ وبالتأكيد ليست القيادة السياسيّة، التي ما زالت تعيش في فقاعتها، منتظرةً مرور العاصفة، التي تأبى المرور بحسب وصف " إيسخاروف".
ويقر "إيسخاروف" أيضًا أنّ احتجاز جثث الشهداء من منفذي الهجمات والتهديد بتدمير منازل عائلاتهم من المفترض أنْ يمنعا الهجوم القادم، ولكن هذه التقنيات لا تنجح في امتحان الواقع؛ موضحا أنّ فيضان الهجمات لا يتوقف للحظة، وهو بالتأكيد لا يتعلق دائمًا بأزمات عائلية، أوْ ما يظهر كمشكلة نفسية.
ويقول "إيسخاروف" إنّ الغالبية العظمى من منفذي الهجمات لم تنتمِ إلى أيّ نوعٍ من المنظمات، ولم يكونوا معروفين لأجهزة الأمن، ولم يتلقوا أوامر بتنفيذ الهجمات، وأنّ معظم هؤلاء الشبان جاؤوا من المدن الفلسطينية، البعض منهم أكثر تدينًا والبعض الآخر أقل تدينًا، معظمهم غير متزوجين.
وعن ظاهرة إقبال الشبان على الشهادة يقول "إيسخاروف"؛ إنه من الصعب إيجاد تفسير مقنع واحد، أوْ حلٍّ لوقف ما يصفه بـ"الوباء".
سيبقى "نتنياهو" يناطح السحاب؛ ولن يحقق نتيجة تذكر من قمع واحتلال الشعب الفلسطيني, وسيتواصل سقوط المزيد من الضحايا شهداء، وصور بطولة خالدة لدى الشعب الفلسطيني حتى التحرر، وضحايا غير مأسوف عليهم من جنود ومستوطنين سقطوا نتيجة سياسة "نتنياهو" الخاطئة والمكابرة والمتغطرسة؛ التي لا تريد إعطاء الشعب الفلسطيني حريته ودولته كبقية دول العالم.