13.89°القدس
13.45°رام الله
12.75°الخليل
19.62°غزة
13.89° القدس
رام الله13.45°
الخليل12.75°
غزة19.62°
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
4.82جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.82
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.75

الرحى وحركتها المتسارعة بالوطن العربي

أيمن دلول
أيمن دلول
أيمن دلول

في كل بلدٍ من البلدان الفقيرة والنامية تُشكل حركة الرحى لحظة سعادة وبارقة أمل في الحصول على طعام يسدُ رمقهم ويوقف قرقرة بطونهم الجائعة، غير أن حركة الرحى في الوطن العربي باتت أمراً لا ترغب بسماع صوته الشعوب العربية التي تعيش حالة الفقر والحرمان والعوز منذ عقود من الزمن بفعل حكامها الذين نصبتهم الأنظمة العالمية على صدور أبنائها، فامتصت خيرات البلاد وكانت سبباً في ذهاب لحم شعوبهم وبقاء العظم ظاهراً لا يُفلح الجلد في إخفاء أدق تفاصيله.1
 
منذ أن زادت حركة الرحى في الوطن العربي مع بداية الألفية الثالثة تغير انتاجها، فبالماضي القريب أخبرنا الكبار بأن الرحى إذا دارت أنتجت طحيناً، ولذلك أطلقوا المثل الشهير عليها “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً”، في إشارة للشخص كثير الوعود دون إنجاز أيٍ منها، لكن وعلى غير العادة فقد أصبح إنتاج الرحى بمنطقة المشرق العربي الغنية بكنوز الأرض هو الدماء والأشلاء والبارود والدمار. كيف ذلك؟ يسأل أحدهم، فأخبره بالحقائق البسيطة التالية:
 
منذ الغزو الأمريكي للعراق بحجة “تدمير أسلحة الدمار الشامل” في العام 2003م، درات الرحى في هذا البلد، ولا تزال حتى الوقت الحالي تطحن الآلاف من أبنائه قتلاً وذبحاً واغتصاباً وفقراً وتهجيراً وحرماناً، والترمومتر “الإنساني” غير مُكترث للجريمة وإن تخطت أعداد الشهداء وحدهم في ذلك البلد أكثر من 150 ألف شخص فأكثر شيء مهم على الأجندة الأمريكية هو السيطرة على النفط العراقي.

أما في سوريا، فليس مهماً بالمنظومة الدولية من يُدير الرحى، سواء كان النظام السوري أو تنظيم الدولة والمعارضة، وربما روسيا و “إسرائيل” وأميركا وفرنسا والعديد من الأنظمة والحكومات. ليس هذا المهم، إنما ما يسعى إليه كل أولئك وبغض النظر عن النتيجة هو الغاز السوري الذي يساوي عندهم أكثر مما تساويه أكثر من 160 ألف جثة سوري مضوا إلى رحمة الله ولا تزال دماؤهم تصبغ ركام آلاف المنازل والمنشآت التي تم تدميرها، ولا يزال الرحى يدور رغم تهجير ملايين السوريين وإصابة مثلهم.

وفي اليمن ليس شرطاً أن تتغير الأداة، فالحوثيون أو قوات التحالف العربي، كلها في النتيجة تطحن في اليمن وتنتجُ طحيناً ممزوجا من أجسام وبيوت وتراث اليمن قتلت حتى الآن أكثر من عشرة آلاف شخص وهجرت الآلاف الآخرين. إن المهم في النهاية أن تكون النتيجة بقاء اليمن والأشقاء هناك يعيشون مغيبين عن الحضارة والاستقرار، ولا ضير من تغييب عقولهم كذلك بالقات وغيره، ما داموا لا يبحثون عن حقوقهم التي تصنعها أميركا وحلفائها في الوطن العربي على طريقتها الخاصة.

أما في ليبيا، فالأسلوب قد يختلف ويطحن الرحى تارة هناك الأجسام الليبية بالقذائف وتارة أخرى بالفقر وثالثة بالحوار غير المنتهي على كعكة البترول التي يتم سرقتها من قبل الدول الغربية المختلفة من بوابة ليبيا الخلفية، بالتوازي مع البوابة الأمامية التي يجري الحوار الليبي الشكلي أمامها، ولا ضير من استكمال نهج “معمر القذافي” الذي علم جنوده أساليب الهلوسة وإخفاء المختلفين معه والمثقفين الليبيين ليبقى نهج القذافي المتخلف سائدا، رحل القذافي لكن مدرسته لا تزال باقية. لا يكفي أكثر من 50 ألف شخص بين مفقودين وضحايا أموات فقط في زمن حياة “معمر القذافي” فالفاتورة لا تزال تدون الأعداد وبعض الأعداد تقضي بدون عد أصلاً.

في مصر حكاية الرحى لها شكلٌ آخر، فالنظام هناك كانت جذوره متجذرة في التراب المصري، واستحوذت على الخيرات على مدار عقود من الزمن، فاعتقلت واغتصبت وأهانت وجعلت الشعب لا يفكر إلا في الحصول على “رغيفه الحاف” الذي لا يصلح طعاماً للدواب، فإن فكر في نيل رغيف يصلح للآدمي أرسله نظام “حسني مبارك” خلف الشمس. وحينما اجتمع الفقر هناك وأراد البعض تغيير الواقع، واعتقد أنه نجح للوهلة الأولى ونتيجة لعدم خبرة الشعب بمكر مغتصبي السلطة زمن “مبارك”، نهض النظام مرة أخرى فأحرق الآلاف واعتقل وقتل مثلهم وطرد الآلاف من خيرة أبنائه خارج بلادهم؛ لأنه أرادها “بلاد بدون عباد”، ومضى على نهج جده الأول “فرعون” زمن سيدنا موسى عليه السلام “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، لكنه نهج أبدع عبد الفتاح السيسي بصياغته وصفق له سحرته من الصحفيين والإعلاميين وطبق رؤيته أركان قضائه.

في الأردن وتونس والمغرب والجزائر وباقي الدول العربية يمضي الرحى، لكنه يطحن أجسام العرب بحركة بطيئة، لتموت كذلك بهدوء وصمت، وبين السنة والأخرى تتقدم مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان التي تمارس دولها “إبادة الإنسان العربي” خطوة إلى الأمام، فتتحدث عن غياب حقوق الإنسان بالوطن العربي، وبذلك تُشعل نقاشاً داخليا عقيماً في تلك البلدان يكون بمثابة الحبوب التي تجعل الرحى يواصل دورانه فقط، بينما من الأبواب الخلفية لتلك البلاد يتم سرقة خيراتها وكنوزها المدفونة التي تعرف جيداً أماكنها الدول الأوروبية ومملكة الشر العالمي المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبرعاية كريمة من قادة وزعماء العرب الذين نصبتهم أميركا.

بهذه الحالة وما دامت الأنظمة القوية في العالم ارتضت أن تتعامل مع الإنسانية وحقوقها بشكل أعور وحقير، فبينما تثور لوفاة حيوان وليس إنسان في بلادها، وتقوم بإبادة العرب والمسلمين في بقاع شتى من العالم بالآلاف، فهي حتماً تصنع رحى جديدة ولكن هذه المرة على أراضيها، لكنها رحى ستكون تلك الأنظمة وشعوبها الصامتة ذات يوم مصدراً أساسياً لحركة ذلك الرحى، فالتاريخ لا يرحم، والقوي لا يبقى قوياً حتى النهاية، فالإنسان يمر بمراحل عمرية مختلفة تبدأ بالضعف ثم تقوى، لكنه في النهاية سيذهبُ مرغماً إلى الهاوية ومن ثم القبر، وكذلك تاريخ الدول والشعوب.
 
عندنا مثل شعبي يقول “اللى تقدمه السبت تلاقيه الأحد”، وهذا يعني أن إهانة وقتل وطحن وإبادة العرب بهذا الشكل لن تغفره الشعوب العربية المطحونة في هذا الوقت، والواقع يقول بأنها تدخر الرد لوقت مناسب، غير أنه في ذلك الوقت لن تجد مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان كما يحدث هذه الأيام من يستمع لنداءاتها بضرورة احترام المواطن والمسئول الغربي الذي داس على كل قيم الإنسانية وعدالتها وطحنها بالصواريخ والقذائف.