17.23°القدس
17.01°رام الله
16.08°الخليل
23.33°غزة
17.23° القدس
رام الله17.01°
الخليل16.08°
غزة23.33°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

موظفو غزة.. الغرباء في زمن الرويبضة

12431506_10153129403346431_115942260_n
12431506_10153129403346431_115942260_n
أيمن دلول

المتفحصُ للخارطة السياسية الدولية في العام الجاري 2015م لا يكاد ينظر إلى أي مكان فيها وصل إليه الإسلام إلا ويراه يعيش أوضاعاً مأساوية، فالبلد الذي لا ينتشر فيه الفقر والبطالة والمرض تجد أن أجسام أبنائه تحترق وتتناثر أشلاء، بل وتحترق بلهيب القذائف والصواريخ ومختلف الأسلحة، ومن كانت عنه الحروب بعيدة فمصيره الانقسامات والنزاعات السياسية الداخلية التي تشتت الشعب وتُضيعُ خيراته التي تلتهمها ضباع وذئاب وكلاب أوروبا الضالة، بينما أبناء تلك الشعوب متناحرون ومتقاتلون على كعكة أداروا ظهرهم لها فاختطفتها الوحوش الغربية المتربصة.

غزة كانت لها حكاية أخرى من الألم والمعاناة، فهي على خارطة العالم لا يكاد يراها من يدقق النظر، غير أن فعلها أشغل صناع القرار في العالم ومن جلس على دوائرهم المستديرة من العرب والفلسطينيين الذين باتوا قادةً وأمناء وزعماء في زمن الرويبضة الذي يضرب العالم العربي والإسلامي هذه الأيام بالتوازي مع غفلة، أو إن شئت فقل سِنةٌ من النوم لأبنائه الشرفاء والعظام.

في يناير عام 2006م فازت حركة “حماس” بنصيب الأسد في أول انتخابات برلمانية تخوض غمارها، ولأنه زمن الرويبضة فليس لها أن تحكم كما أفرزت صناديق انتخابات أرادوا من خلالها القضاء عليها وإنهاء مسيرتها المقاومة للاحتلال. انتشرت الفوضى والفلتان الأمني المنظم وأُحرقت المؤسسات والممتلكات العامة وبات الناس غير آمنين على أرواحهم وأعراضهم، وما هي إلا شهور حتى مضت حركة “حماس” وحيدة في الحكومة التي رفضوا المشاركة معها فيها وراهنوا على فشلها خلال شهرين فقط، وليتهم تركوها وحيدةً، بل إنهم كانوا الأداة الخسيسة للعمل على إسقاطها بتآمر رخيص مع أطراف خارجية مختلفة.

في تلك الفترة تم البدء بتطبيق أقذر خطة من الخيانة العلنية التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، فطلبت السلطة الفلسطينية بقيادة حركة “فتح” من الموظفين المكوث في منازلهم وعدم العمل مع “حكومة حماس”، وبذلك أصبحت الرواتب تُصرف للجالسين في بيوتهم، وهم الذين تركوا المدارس والمستشفيات والمحاكم والدفاع المدني وغيره بدون موظفين.

مباشرة طلبت حكومة “حماس” من المدرسين والأطباء وسائر التخصصات من أبناء الشعب التطوع لشغر الفراغ بالمؤسسات المختلفة واستمرار تقديم الخدمات لأبناء الشعب الفلسطيني وحتى لا تغرق سفينة البلد كما أراد لها العديد من الأطراف. ركب مع “حكومة حماس” في السفينة موظفون سابقون رفضوا المساهمة في خيانة بلدهم الذي عاشوا فيه وشربوا من مائه، فكانت مكافئتهم أن قطعت السلطة الفلسطينية رواتبهم على الفور لرفضهم الجلوس بمنازلهم وعدم العمل مع تلك الحكومة، كما سار مع هؤلاء الموظفين أكثر من أربعين ألف موظف قرروا قيادة مسيرة المشروع الوطني بدلاً من المستنكفين في بيوتهم.

مضت السنوات، فاشتدت حلقات الحصار على حركة “حماس” وأطاحت المؤامرات المضادة بنتائج ثورات ما اصطلح البعض على تسميته بـ” الربيع العربي” والتي انعكست ايجاباً على القضية الفلسطينية، فوجدت “حماس” نفسها وحيدةً وسط عواصف من رياح عاتية لا يقوى على الصمود في وجهها أنظمة متجذرة في الأرض، فقدمت الحكومة على طبق من ذهب لحركة “فتح” والتي جاءت في المركز الثاني من حيث عدد المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، وذلك على أمل الاعتراف بأولئك الموظفين واعتمادهم في كشوف موظفي الحكومة.

مضى العام تلو الآخر ولم تعترف الحكومة بالموظفين واستمروا على رأس أعمالهم وهم لا يتقاضون رواتبهم، في ظاهرة لم يشهد التاريخ البشري مثلها. استمر الطبيب والمعلم ورجل الأمن في أداء أمانتهم على أكمل وجه دون تقاضي سوى الفتات من راتبهم كل ستين أو خمسين يوماً مرةً واحدة. استمروا حاملين لراية الشرف والأمانة بينما آلافٌ مثلهم يتقاضون رواتبهم مع بداية كل شهر وهم لا يقدمون شيئاً للوطن والقضية الوطنية على مدار ثمانية أعوام هي فترة جلوسهم في منازلهم بلا عمل والتي لا تزال متواصلة، بل إن بعضهم أكمل دراساته العليا خارج الوطن وتم ترقية درجته في السلم الحكومي وهو جالسٌ في بيته، وبعضهم بات من أصحاب رؤوس الأموال، فقد افتتح مشاريع أخرى إلى جانب ما يتقاضاه من راتب بدون عمل.

ولأمانة التاريخ، فإن موظفي غزة الشرفاء الذين حملوا الراية وبدون راتب كامل أو منتظم وعانوا مع أطفالهم وعائلاتهم ذُل الحرمان والفقر يستحقون أن تُسجل أسماؤهم على لوحات كبيرة في الميادين العامة على كامل التراب الفلسطيني وأن تُكتب لكل واحد منهم قصة شرف في موسوعة التاريخ الفلسطيني، كما يجب ألا يفوت على من يكتب التاريخ أن يذكر بأن حركة “حماس” تعاملت بحسن نوايا زيادة عن اللزوم مع حركة “فتح” وسلمت رقاب موظفيها بدون ضمانات حقيقية للاعتراف بحقوقهم وصرف مستحقاتهم، وكما أن حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية قد أجرمت بحق القضية والمصالحة الفلسطينية، فإن حركة “حماس” تتحمل مسئولية عدم تحليها بدهاء ومكر سياسي يكافئ ما تتمتع به حركة “فتح”. إن السياسة لا يجوز فيها مطلقاً التعامل بحسن النوايا.