17.23°القدس
17.01°رام الله
16.08°الخليل
23.33°غزة
17.23° القدس
رام الله17.01°
الخليل16.08°
غزة23.33°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

المولد ليس منصة للاستبداد؟!

يوسف رزقه
يوسف رزقه
يوسف رزقة

اعتاد قادة الدول العربية إظهار تمسكهم بالإسلام والغيرة عليه من خلال المشاركة في احتفالات المولد النبوي الشريف. كان يوم المولد يوم خير على البشرية وعلى بقية الخلائق. ولكن ذكرى يوم المولد في عامنا هذا تأتي والبشرية كافة تتألم مما أصابها، وتحكي حكايات لا تنقطع عن أنواع الشرور التي ضربت مجتمعات العرب والمسلمين. 

بعض الزعماء العرب تحدثوا في يوم المولد عن أنفسهم وعن دولهم، وعن الثورات، وزعموا أن البلاد لا تحتاج إلى ثورات، لأن الثورات هي والفوضى سواء، وهم كقادة وزعماء صمام أمان للبلاد من الفوضى. وهم ليقمعوا السذج من شعوبهم يضربون لهم المثل في سوريا، وليبيا واليمن.

أنا أو الفوضى، كانت عبارة مبارك قبيل ثورة يناير، وهي عبارة بشار الأسد أثناء الثورة السورية، ويبدو أن هذه العبارة وجدت طريقها إلى سياسة أوباما، حين قال إنه يخشى من سقوط الأسد أن تتمزق سوريا كالعراق، وأن يزيد هذا من حالة الإرهاب والتطرف. 

الاستبداد لا دين له، ولا وطن يحده، ونحن نجده في تاريخ الحضارات، ولكننا لا نجده بهذه الوقاحة الحديثة، التي تتخذ من عبارة (أنا أو الفوضى، أنا أو الإرهاب) مشروعًا يتحدث عنه في يوم الاحتفال بذكرى المولد، ذكرى من أرسى العدالة في الأرض، وحل مشاكل الإنسان برحمة لا تعرف استبدادًا ولا ضعفًا، فلا أنت مشروع مقبول ولا الإرهاب مشروع مقنع البتة.

الشعوب المستضعفة ترفض خطاب هؤلاء المفسدين على مدار أيام السنة، ولكنها أشد لهم رفضًا حين يتخذون من يوم المولد جبة وقميصًا، أو قناعًا يتقنعون به. من أراد أن يحتفل بالمولد الشريف عليه أن يحترم صاحب المولد وسنته، وأن يقتدي بعمله وبرحمته، والمسألة ليست خطبًا نارية، أو كلمات منمقة، لا، المسألة دين وسنة. والثورة على كل من يتنكب الطريق، ويستبد بالعباد ويقهرهم بقوة الجيش أو الأولياء والطائفة، واجب شرعًا وعرفًا، وهو من حتميات التاريخ والحضارات. 

إن الفوضى التي ضربت سوريا وغيرها بعد الثورة ليست نتيجة للثورة، كما يزعم الزاعمون. هم يزعمون هذا ليمنعوا عن الشعوب حقها في التعبير عن نفسها، وليحرموها من الشراكة الحرة والحقيقية في إدارة بلادها ومقدراتها. الفوضى في بلاد الثورات العربية الآن سببها الرئيس هو تعمق الاستبداد والفساد في جسد الدولة والمجتمع، وفي الأجنحة والأذرع الحاكمة المكونة للاستبداد والفوضى. 

الثورة لا تكون ثورة إلا إذا كانت على الاستبداد، وإلا إذا كانت قمعًا للفساد، ونشرًا للحرية والعدالة. والاستبداد هو نتاج (الأنا) المرضية المتضخمة في الحاكم، وهو يعبر عنها لغة حين يكرر على مسامع الشعب عبارة (أنا أو الفوضى؟! أنا أو الإرهاب؟!) لأن هناك خيارات أخرى للشعوب (غيره، وغير الفوضى، وغير الإرهاب). هناك العدل، والشورى، (وأمرهم شورى بينهم)، وهناك الديمقراطية والشراكة والصندوق. حين تحتفل الشعوب بالمولد النبوي تقوم بخطوة نحو الثورة على الفساد والاستبداد، وهي في هذا اليوم ترتفع بالإنسانية لأعلى نحو السمو، وحين يحتفل الحكام بالمولد يعودون بالشعوب للأسف إلى الخلف، وإلى الإخلاد إلى الأرض. هؤلاء ليس لهم الحق في المولد لأنهم يدنسون الذكرى والتاريخ برجسهم.