16.68°القدس
16.44°رام الله
15.53°الخليل
18.62°غزة
16.68° القدس
رام الله16.44°
الخليل15.53°
غزة18.62°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: غنائم بأَثَر رجْعي

بَعْدَ اكتشاف عدد من اللوحات الفَنية النادرة التي كان يملكها هِتْلر بالقرب من براغ، قد يتساءل من قرأوا الخبر: هل كان لدى الفُوهْرِر فائض من الوقت والحسّ الجمالي بحيث يعتني بالفنون ويقتني اللوحات؟ لأن أذهان الناس غالباً ما تنصرف إلى عكس هذا تماماً، كأن يتصوروا أن الكتب التي كان يقرأها هتلر هي من طراز قصص دراكولا مصاص الدماء، أو الإمبراطور كاليغولا الذي أراد أن يقطف القمر من نافذة قصره، أو نيرون الذي حاول قبل إحراق روما أن يغني، وفرض على سامعيه أن يترنّحوا طرباً رغماً عن انزعاجهم من صوته الأجش. لكن هناك مفارقات في التاريخ قد تدهش البعض، منها أن طاغية يسفح دم البشر قد يعتني بكلبه ويدلّله ويقبلّه، وهذا أيضاً ما كان يفعله هتلر بكلابه التي حاول الروائي الألماني الحائز جائزة نوبل وهو غونتر غراس أن يتقصّى مصيرها بعد غروب صاحبها، وهناك طاغية آخر اسمه فالاريس كان يسجن الشعراء والمطربين في ثور نحاسي، وحين تشتد الحرارة فيه يبدأ السجناء بالتأوه والشكوى فيستخفه الطرب لسماع الأنين لأنه ساديّ يتلذذ بعذاب الآخرين . وحين قُدّم الجنرال باراك الذي اقترن اسمه بأقذر الحروب وعمليات الاغتيال ضد العرب، على أنه عازف بيانو ماهر ورقيق، أوشك العالم أن يصدق، إلا أن الجنرال سرعان ما عاد إلى حقيقته وسقط عن وجهه قناع العازف، وشاهده العالم بأسره وهو يجرّ الشهيدة دلال المغربي من شعرها المخصب بالدم . وهناك جنرالات من أكلة لحوم الأطفال يشاهدون وهم يقبّلون الأطفال في مناسبات استعراضية، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فالطغاة المستبدون يلجأون إلى تزييف حقيقتهم بسلوك ظاهري ومن خلال التمثيل كي يَظهروا بصورة مضادة، ولكي يثق بهم الناس ولا يصدقوا ما يقال عنهم وعمّا يقترفون من جرائم . كلاب الفوهرر لا أحد يعرف مصيرها حتى الروائي الكبير الذي حاول ذلك، أما اللوحات التي اقتناها فقد اعتبرت في براغ غنائم حرب لكن بأثر رجعي وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بأكثر من ستة عقود . إن الطغاة عبر التاريخ بمختلف عصوره لم يكونوا أصحاب وجه واحد، وعلى سبيل المثال حاول ستالين في مرحلة ما، أن يقدم نفسه بصفة فقيهٍ باللغة، وأصدر كُتباً في هذا المجال . ورغم محاولات الجنرال فرانكو إخفاء حقيقته فإن ما رسمه بابلو بيكاسو عن زمنه افتضحه إلى الأبد، وَعبَّر الإسبانيون عن ذلك عندما اسْتَرْجعوا لوحة بيكاسو الشهيرة “الغيرونيكا” من المنفى إلى القرية التي حَمَلتْ اللوحةُ الشهيرةُ اسمَها، ثم استبدلوا اسم الشارع الرئيس فيها بحيث أصبح بابلو بيكاسو بدلاً من الجنرال فرانكو . ومن حسن حظ المغَلْوبين على أمرهم في التاريخ البشري، أنه ما من جريمة كاملة، ولا بد من ظهور شاهد ما ولو بعد حين، والشاهد قد لا يكون إنساناً فقط، فهو قبر جماعي أحياناً، أو خيانة وطنية عظمى قايض فيها الديكتاتور استمراره في لحظة ما . نعرف مثلاً أن ونستون تشرتشل كان رساماً وليس فقط عاشقاً للوْحات، لكنّ ما رسمه كان على النقيض مما يفكر به ويمارسه، لأن شأن أمثاله لا يستطيع المُزاوجة بين فن الممكن وفن المستحيل . . وهما التعريفان الشهيران للسياسة والفن . هذه مجرد واحدة من مفارقات التاريخ التي لا نهاية لها، مادام هناك صراع أبدي بين الحرية والسجن وبين الحب والكراهية، وأخيراً بين الجمال والقُبح .