في خبر ربما يكون له وقع الزلزال عثر في تركيا على نسخة نادرة من الإنجيل مكتوبة باللغة الآرامية لغة المسيح عليه السلام وتعود إلى ما قبل 1500 عام أي قبل ظهور الإسلام، تشير إلى أن المسيح تنبأ بظهور النبي محمد من بعده. جاء في نسخة الإنجيل هذه أن المسيح أخبر كاهناً سأله عمن يخلفه، فقال: "محمد هو اسمه المبارك، من سلالة إسماعيل أبي العرب". من السهل ملاحظة مشابهة هذا النص لما ذكر في القرآن الكريم خاصةً في سورة الصف في الآية السادسة: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ". يتوافق مضمون هذه النسخة أيضاً مع القرآن الكريم في وصفها للمسيح بأنه بشر وليس إلهاً. ويقول القس إحسان أوزبك لصحيفة "زمان" التركية: "إن نسخة الإنجيل تعود إلى أحد أتباع القديس برنابا لأنها كتبت في القرن الخامس أو السادس. من الواضح أننا أمام وثيقة مهمة ربما تقلب كثيراً من المفاهيم الخاطئة، وهو ما دعا الكنيسة المسيحية إلى إخفائها طيلة السنوات الماضية لتشابهها الشديد مع ما جاء في القرآن الكريم كما قال وزير الثقافة والسياحة التركي أرطغول غوناي. لكن رغم هذه الأهمية فإن المخول بالتعليق على هذا الكشف ليس هو المسيحي المتعصب ولا المسلم المتعصب، إنما هو العالم المختص المتجرد من عصبيته وهواه وأحكامه المسبقة والذي لا يطمع بأكثر من الوصول إلى الحقيقة المجردة.. ليس المطلوب أمام هذا الحدث العلمي أن يشحذ المتعصبون دينياً أسلحتهم للدفاع الأعمى عن عصبياتهم وفق أحكام مسبقة استقرت في عقلهم الباطن لن يغيرها أي دليل يخالفها حتى وإن كان في وضوح الشمس كما وصفهم القرآن: "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها"، ولا أن يوظفوا العلم في تعزيز تعصبهم..كل ما هو مطلوب أن يصغي الجميع لصوت العقل والبرهان وأن يقبلوا بمنهج البحث العلمي الموضوعي طريقاً وحيداً يسلموا بنتائجه بغض النظر إن جاءت هذه النتائج موافقةً لأحكامهم المسبقة أو مخالفة.. العلم بطبيعته لا ينحاز لفريق دون آخر.لذا يجدر بأتباع الأديان في عصر العلم أن يتحرروا من قوالبهم الأيديولوجية الجامدة وأن يقبلوا بوضع المسائل الدينية تحت مشرحة المنهج العلمي المتجرد، فينتقل التدين من كونه عصبيةً عمياء إلى دائرة البحث والنقد العلمي فما أثبته الدليل والبرهان فهو الحق، وما دون ذلك فهو الوهم والضلال مهما كانت المسافة الفاصلة بين أحكامنا البشرية المسبقة وبين العلم. قيمة هذه النسخة الجديدة من الإنجيل أنها تبين أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم يكملون بعضهم البعض، وأنهم إخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وما رأيناه عبر العصور من حروب واقتتال بين أتباع الأديان لم يكن إلا نتيجة الابتعاد عن المنهج الأصلي وتحريف شرائع الأنبياء السمحاء. ما دامت الأصول التي تنطلق منها الديانات واحدةً فهذا يعزز القواسم المشتركة بين البشر ويقربهم من كلمة السواء، فيؤمن المسلمون بما أنزل على المسيحيين ويؤمن المسيحيون بما أنزل على المسلمين "لا نفرق بين أحد من رسله"، وتقوم العلاقة بين بني آدم على التسامح والتعاون ونبذ كل أشكال الكراهية والتعصب.. إن شرائع الأنبياء جميعاً هي شرائع تدعو للعدل والخير والسلام بين بني آدم، لكن أتباع الأنبياء هم الذين شوهوا هذه الصورة المشرقة فتحول الدين من كونه دعوةً للسلام إلى أن يصير مبرراً للحرب والقتل والإفساد في الأرض وسفك الدماء..ألا يجدر بنا في عصر الفتوحات العلمية حيث تحدث الأرض بأخبارها وينطق الله كل شيء فتتكشف أمامنا حقائق التاريخ بالمخطوطات والآثار أن نعيد صفاء رسالات الأنبياء. إن الإيمان بأن ما جاء به كل من محمد وعيسى عليهما السلام يخرج من مشكاة واحدة يبعث في النفوس الراحة والطمأنينة ويعزز بين أتباع هذين الدينين الذين يشكلان أكثر من ثلث البشر قيم التفاهم والاعتراف بالآخر، ويخمد نيراناً من العصبية والكراهية.. حين نضع المسائل الدينية تحت مشرحة العلم فإننا نسلك أفضل سبيل للتحرر من التعصب الديني والاتباع الأعمى، لأن العلم إذا أثبت فرضيةً بدليل قاطع ثم جاء من يرفض الإقرار بها بعدما تبين له الحق فإن مثله سيكون كمثل من يرفض تناول الدواء الذي يشير به الطبيب، ويصر على البقاء على الدواء الخاطئ مكابرةً وعناداً.. لسنا قلقين من المستقبل لأن فلسفة التاريخ تسير في اتجاه إحقاق الحق وإبطال الباطل ومن كانت قناعاته الدينية قائمةً على أساس متين لن يكون خائفاً من فتح الباب أمام أتباعه للانطلاق في كل الاتجاهات للكشف والبحث والتساؤل، ولن يكون مضطراً لإخفاء أي حقيقة أو وثيقة لأنه يعلم أن كل الكشوفات لن تهزه، بل إنه سيسعد بأي كشف جديد لأنه سيرى فيه فرصةً لإظهار حقه أمام الناس، أما من يبنون معتقداتهم على أسس واهية من الظن وما تهوى الأنفس فهؤلاء هم الذين يرتجفون فرقاً أن تفتضح أسسهم الواهية فينهار بناؤهم، فيجتهدون في إخفاء الحقائق لعلهم يحافظون على تماسك بنائهم ولكن الحق أقوى وأقهر والعاقبة له مهما طال الزمن. يلجأ الذين لا يثقون بمتانة أسس بنائهم إلى سد المنافذ حتى لا تدخل عليهم الرياح فتطيح بأبنيتهم الهشة ، ولكن صنيعهم هذا هو فعل اليائسين ولن يحميهم.لأن قوة العاصفة ستطيح بكل الأبنية الهشة وستقتلع الأوتاد والخيام ولن يصمد في وجه الرياح العاتية سوى البناء الراسخ المتين.. لقد سبق القرآن في مراهنته على العلم لأنه واثق من متانة أسسه ومن وثق من متانة أسسه غدا العلم صاحباً له وليس عدواً، لذا فإن القرآن يدفع الناس إلى السير في الأرض وإلى البحث والتفكر، وإلى النظر وانتظار ما سيأتي به المستقبل من حقائق تصدق ما فيه. يوجه القرآن نظر مكذبيه إلى المستقبل ويراهنهم عليه لمعرفة الحق فيقول لهم "فتربصوا إني معكم من المتربصين"، ويقول "فانتظروا إني معكم من المنتظرين"، كما أنه يتحدى المكذبين بالمراهنة على العلم: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق". وآيات الآفاق والأنفس تشمل كل أصناف العلوم من علم نفس واجتماع وتاريخ وآثار ومخطوطات وأنثروبولوجيا وغيرها..فكلما تقدمت هذه العلوم كلما تكشفت المزيد من الحقائق حتى يتحول الإيمان بالقرآن إلى مقتضىً يفرضه العلم وليس شأناً غيبياً.. حين ننقل المسائل الدينية من دائرة العصبية العمياء، والموقف الأيديولوجي المسبق إلى دائرة البحث والنقد العلمي فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، وتحررنا من مرض التعصب الديني، لأن من يرفض نتائج البحث العلمي في هذه المسألة هو تماماً كمن يرفض تناول الدواء الذي يشير عليه الطبيب ويتناول دواءً آخر مكابرةً وعناداً.. مع تواصل مسيرة التقدم العلمي نتوقع مزيداً من الكشوفات العلمية التي ستزلزل كثيراً من المسلمات والأسس الأيديولوجية، وستلقى في وجوه المتعصبين أسئلة حرجة تنقلهم من دائرة الطمأنينة إلى دائرة الشك، ولن يجدوا مفراً أمام ملاحقة هذه الأسئلة إلا أن يذعنوا لسلطان العلم القاهر ويقبلوا بإحداث مراجعات جذرية يحيد فيها التعصب الديني والأحكام المسبقة، وينتصر فيها الحق المجرد، وإن أبوا إلا الكبر والعناد فإنهم يكونون بذلك قد حكموا على أنفسهم بأنهم بمعاداة العلم والانتصار للجهل.. "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون"
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.