لما كانت نابلس الحاضنة لكل مقومات المقاومة والصمود، جرى استهدافها اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، فقد جرى التضييق على المدينة وخنقها اقتصادياً عبر إغلاق الحواجز وعرقلة التجارة الداخلية جنباً إلى جنب مع حملة متواصلة من الاقتحامات والاعتقالات، وتدمير البنية التحتية للمؤسسات الوطنية..
هذا الأمر -في ظل ضعف أداء أجهزة الضفة وعدم قدرتها على القيام بمهمتها الرئيسية وهي حفظ الأمن والنظام العام-، أتاح المجال -حسب المراقبين- أمام عودة ظاهرة "الفلتان الأمني" وظهور "زعران" وجماعات "مسلحة" عبثوا في أمن البلد واستقراره.
كان -لا شك- للاحتلال دور في تفعيل عملائه لإغراق المحافظة برمتها -والمدينة على وجه خاص- في وحل الخلاف والاحتراب الداخلي، وما كان ذلك ليتم دون إدخال السلاح وتغذية الخلافات.
وأمام ما شهدته نابلس في الآونة الأخيرة من أحداث مؤسفة أودت بحياة شاب وغيرها من حوادث إطلاق النار، ما ألقى بظلاله على مفاصل الحياة اليومية، وخلق حالة خوف لدى المواطن العادي من تعرضه للقتل أو الإصابة جراء تبادل إطلاق النار، تعالت الأصوات لضرورة معالجة الملف من الناحية الاجتماعية والقانونية، والضرب بيد من حديد على "المنفلتين" والأهم رفع الغطاء التنظيمي عنهم، لا سيما أن بعضهم محسوب على "حركة فتح"، أو كونه عنصرا أمنيا يعمل في السلطة التي توفر الحماية له.
وكان شاب قد قتل قبل حوالي أسبوعين يدعى "أحمد البيعة" وأصيب عدد آخر، خلال تبادل لإطلاق النار وقع في السوق الشرقي لنابلس، بسبب خلاف على موقف "بسطة".
وقبلها بساعات كان المدينة على موعد مع اشتباك مسلح استمر لساعات بسبب خلاف داخل مقهى بين طرفين محسوبين على حركة فتح، من البلدة القديمة ومنطقة بلاطة البلد.
وقبل ذلك بيوم واحد كان شاب ملثم يدخل على محل خاص ويطلق النار على صاحبه ويصيبه بجراح خطيرة.
أين السلطة؟؟
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي شن المواطنون هجوما كبيرا على محافظ نابلس أكرم الرجوب ووصفوه بالرجل الضعيف، فاقد القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، رغم أن بعضهم دافع عنه بقولهم إن الرجل وحده لا يمكن أن يفعل شيء في ظل عدم تعاون المؤسسات المختلفة معه.
في حين صب كثيرون جام غضبهم على الأجهزة الأمنية التي وصفوها بالمتواطئة مع "المنفلتين"، ورفضها التدخل كون بعضهم صاحب سلطة ولديه جماعات مسلحة وتربطه علاقات قوية بالقيادات الأمنية والسياسية القريبة من حركة فتح.
سيادة القانون
من تحدثنا إليهم أكدوا أن السر من كلمتين هما: "سيادة القانون". مشيرين إلى أن المشكلة الأساسية منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية هي تطبيق القانون بطريقة انتقائية ومزاجية ومرحلية.
وهو ما يشدد عليه الداعية زهير الدبعي، الذي قال إن "حل أزمة نابلس يتمثل بكلمتين: سيادة القانون"، وتابع "بعض القوانين ليست رادعة كما يجب، ولكن يمكن تعديلها بالطرق الدستورية الصحيحة".
وأضاف أنه يجب أن تكون الجهات الأمنية مسؤولة عن الناس وفاعلة، لأنها "تستهلك نسبة غير قليلة من المال العام".
وأشار الدبعي إلى أن "هناك تآكل واضح في الاحترام والثقة بين الناس.. ما يشكل خطراً على "مجتمع يريد أن يرفع الظلم عن نفسه". وقال إن الإصلاح ليس بديلاً عن القانون، وأن الجهة المسؤولة عن نفاذ القانون يجب أن تقوم بدورها، ثم يتم إصلاح الناس بعد ذلك.
الخلل لدى المسؤول
من جهته، أكد الخبير الاجتماعي بلال سلامة على أهمية وضع الأمور في نصابها. وقال إن "نابلس مجتمع متوحد، ولكن هناك أقلية لا تلتزم بالقيم الأخلاقية وأن هناك خلل لدى المسؤول السياسي، إذ إنه لا يحزم أمره مع غير المنضبطين".
وشدد على ضرورة وجود أدوات قضائية وشرطية لضبط الخارجين عن القانون، مشيراً إلى ضرورة عدم تضخيم المشكلة أو تهويلها. وأضاف سلامة أن "الجزء المصروف من الموازنة على ضبط الوضع الأمني كبير جداً، ولكن أين نتائجه؟".
ودعا إلى "تفكيك الثقافة العشائرية المنتشرة في نابلس". كما أكد على أهمية مشاريع التنمية والحد من الفقر والبطالة.
خطوات الإصلاح
وقال رئيس بلدية نابلس سابقاً عدلي يعيش إن "القانون يجب أن يأخذ مجراه بحزم أكثر وليس بشدة، ويجب تطبيقه على جميع الناس".
وأشار يعيش إلى ضرورة مراعاة الثقافة العامة، بسبب وجود الاحتلال ونسبة البطالة العالية.
وأوضح أن "الشباب الذين لا يدرسون ولا يعملون تكثر مشاكلهم، لكن لا يجب علينا تضخيم الأحداث.. فالنّاس الطيبة يجب أن تتدخل في حل المشكلة منذ بدايتها لاستئصالها".
من جهته قال عضو المجلس الوطني تيسير نصر الله إن "ما يجري هنا هو ما زرعناه خلال 20 سنة مضت، وهناك انحدار واضح في السنوات الأخيرة بالقيم والأخلاق والتوجهات السياسية لأسباب كثيرة. ونحن الآن بحاجة ماسة لمن يقرع الجرس. وهنا تكمن أهمية الروح الجماعية".
وقال نصر الله إن هناك دور للسلطة والمحافظ والأجهزة الأمنية للقيام بمسؤولياتهم بشكل عادل بغض النظر عن الأحزاب والأنساب.
وأكد على أهمية دور رجال الصلح والسياسة في توعية المواطنين وتثقيفهم ورفع مستواهم الأخلاقي، مؤكداً أن المشكلة الأساسية هي مشكلة قيم، لأن مشكلة صغيرة تسببت بقتل مواطن.
واختتم نصر الله بقوله "إننا نفتقر إلى وجود هيئة قيادية لوضع حلول مستمرة وبرامج لحل المشاكل".
الغطاء التنظيمي
وكانت فصائل منظمة التحرير ومؤسسات وفعاليات محافظة نابلس سارعت لعقد اجتماع موسع ناقشت خلاله ما يجري من أحداث كأسباب ومجريات ونتائج.
وجاء في وقتٍ سابق، البيان الذي صدر في نهاية الاجتماع ووصل "فلسطين الآن" نسخة منه "إن نابلس كانت وستبقى شوكة في وجه الاحتلال ولن تتخلى عن دورها النضالي وإسهامها في مسيرة الحرية والاستقلال".
وطالب البيان برفع الغطاء التنظيمي والسياسي والاجتماعي والوطني عن الخارجين عن النظام والقانون.
وطالب الأجهزة السيادية بسط الأمن والأمان في جميع أرجاء المحافظة دون هوادة لفرض النظام وسيادة القانون وبشكل دائم.
وأكد على "دعم وإسناد نضال شعبنا الفلسطيني في الهبة الجماهيرية التي يشهدها الوطن ... نصرةً للمسجد الأقصى، ورفضاُ للاحتلال".
وختم إن "وأد الفتنة والقضاء على الفوضى وتوفير الأمن والأمان حتماً سيعزز من صمود شعبنا ويضمن السلم الأهلي والاجتماعي ويقطع الطريق على الاحتلال وأعوانه".