سئل إبراهيم بن ادهم أحد التابعين من جمهرة من الناس لقد ارتفع سعر اللحم، ما العمل؟ قال: أرخصوه، قالوا : كيف يا ابن ادهم؟ قال : أرخصوه، قاعدة اقتصادية تتعرض لقاعدة العرض والطلب، ويقصد إبراهيم بن أدهم عندما قال: أرخصوه أي لا تشتروه، وهذا يتوافق مع عادة العرض والطلب، والتي تقول : إذا زاد العرض وقل الطلب عندها يرخص ثمن المعروض، وإذا قل العرض وزاد الطلب يرتفع ثمن المعروض، وما قصده ابن أدهم أن عدم الشراء يجعل اللحم أكثر من المطلوب فيرخص سعره وعندها يتمكن الناس من الشراء. هذه المقدمة خاصة بالمأكولات والتي يمكن أن يستغني عنها المواطن لأيام وقد تصل إلى شهور ولن يتأثر بغيابها الإنسان ولا تتأثر صحته، ولكن كيف عندما يكون الأمر متعلقا بدواء المرضى، والذي لا يمكن الاستغناء عنه سواء كان غالي أو رخيص الثمن ولا تنطبق قاعدة العرض والطلب لأنه لا بديل والتأخير في تناول الدواء قد يضاعف المرض ويؤدي إلى هلاك النفس وهذا لا يقره عاقل سليم العقل.
في الآونة الأخيرة تحدثت بعض الجهات الصحية عن فرض تسعيرة للدواء في الصيدليات خاصة قي ظل فوضى الأسعار الملموسة، واستبشرنا كما الناس خيرا لوضع تسعيرة توقف هذا الخلل وتجعل الأدوية في متناول المرضى فقيرهم وغنيهم ويحد من جشع بعض أصحاب الصيدليات من البيع بمزاجية ووفق تحقيق أعلى نسبة ربح حتى لو كان على حساب المرضى وخاصة من الطبقة المعدومة الفقيرة وما أكثرها هذه الأيام. والنتيجة أن من حدد الأسعار لم يكن منصفا بل جار على المرضى وفرض اسعارا باهظة بالنسبة لعامة الناس ولم يراع الظروف والأحوال بحجة الحفاظ على مهنة الصيدلة! وكأن الصيادلة اليوم يقومون بتحضير الأدوية، والحقيقة أن الصيدليات ما هي إلا محال لبيع الأدوية المصنوعة في شركات تصنيع الأدوية، فأي مهنة صيدلة يراد الحفاظ عليها؟
المصيبة الأكبر ما قامت به نقابة الصيادلة عبر مفتشين لها لاصطياد الصيادلة في صيدلياتهم ممن يخالفون التسعيرة، ويتفاجأ الجميع بأن نقابة الصيادلة تجرم بعض الصيادلة ليس لبيعهم الدواء بسعر أعلى من التسعيرة بل الغرامات فرضت على من باع الأدوية للمرضى بأقل من التسعيرة، هل هذا معقول يا نقابة الصيادلة؟
أن يغرم من يبيع بأقل من التسعيرة كونه استشعر حاجة الناس وواقعهم الاقتصادي المزري؟ بأي منطق يعاقب من يخصم من نسبة ربحه بالغرامة؟ فكيف لو قام هذا الصيدلي بمنح الدواء مجانا لو حضر له محتاج للدواء لا يملك ثمنه؟ هل ستعلق له المشانق؟ هذه التسعيرة كان من المفترض أن تعمل على التخفيف عن كاهل الناس والاكتفاء بنسبة ربح معقولة إلى جانب ما يسمى (البونص) الذي يحصل عليه الصيدلي من شركات التوزيع أو المنتج لهذه الأدوية، أما أن تكون التسعيرة بهذا الشكل الجنوني فهذا أمر جانبه الصواب، وخلت منه الرحمة، ويطرح تساؤلات مريبة، وتضع علامات استفهام على من وضع هذه التسعيرة الجائرة، بل قد يصل إلى حد الاتهام بأن هذه التسعيرة وضعت لخدمة فئة معينة على حساب المريض حتى يزدادوا ثراء على ثرائهم ومن لا يجد ثمن الدواء يجلس في بيته ينتظر الموت.
نوجه نداء إلى المجلس التشريعي، أو أي جهة يكون لها التأثير على من وضع هذه التسعيرة المجحفة، والتي لا تراعي الأوضاع السائدة وحالة الفقر المدقع، والبطالة في ظل الاحتياج للدواء الذي لا غنى عنه، حتى يوقفوها عند حدها ويُرفع الظلم عن الناس، من لا يرحم لا يُرحم واتقوا الله، لأن من يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.