20.18°القدس
19.81°رام الله
18.3°الخليل
25.09°غزة
20.18° القدس
رام الله19.81°
الخليل18.3°
غزة25.09°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

حماس وتجارب الحكم

عماد عفانة
عماد عفانة
عماد عفانة

في الوقت الذي تواجه في حركة حماس صعوبات كبيرة منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م وتوليها زمام الحكم، حيث سلمتها حركة فتح والرئيس عباس الحكم على الورق فيما احتفظت بها على أرض الواقع، ما أثار خلافات تطورت إلى صدامات عنيفة، أفضت إلى ترك حركة فتح لغزة بكل أجهزتها الحكومية، حيث بذلت فتح بقيادة الرئيس عباس جهود مضنية لتحويل حكم حماس لغزة إلى كمين محكم لإشغال حماس وانهاكها، ووضعت في طريقها عقبات لا حصر لها وفرضت عليها بالتعاون مع مصر وإسرائيل حصارا ما زال متسمرا حتى الان. في هذه الأثناء ترنو العيون إلى عدد من النماذج الناجحة نوعا ما لحكم الإسلاميين في عدد من الدول المجاورة، أبرزها على الاطلاق تجربة حزب الحرية والعدالة بقيادة أردوغان الذي يقود تركيا منذ العام 2002م، إضافة لحكم عبد الإله بنكيران للحكومة المغربية، وحكمة راشد الغنوشي التي أبقت حزب النهضة شريكا في حكم تونس.

  فمن التجربة الأردوغانية تحتاج حماس إلى تعلم: الموائمة بين السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، والموازنة بين الإسلام السياسي والديمقراطية، والتعايش مع بقايا العلمانية الآفلة، والنهوض بالمجتمع نحو الحداثة. تعلم التعايش مع فصائل منظمة التحرير الذي ينضوون تحت عباءة منظمة التحرير العلمانية، ومحاولة اتباع نمط وسطي في التعامل مع بعض التيارات الإسلامية المتشددة سواء تلك التي خرجت من عباءة السلفية (القاعدة وداعش)، أو تلك التي تستظل بالعباءة الإيرانية الشيعية. 

 التدرب على الفصل بين حماس كحركة مقاومة وطنية همها الأول والأخير التصدي لقوات الاحتلال، وحماية شعبنا الفلسطيني، والإبقاء على جذوة المقاومة مشتعلة إلى حين توفر البيئة العربية والإسلامية لحرب التحرير المنتظرة، وبين حركة حماس السياسية التي ترنوا الى تمثيل الشعب في مختلف المحافل، والتصدي لتوفير أفضل الخدمات للناس، فضلا عن تأمين ظهر المقاومة.

 خلق برنامج اقتصادي رأسمالي، يحفظ مصالح الناس، ويعطيها فرصاً استثمارية، للتغلب على آثار الحصار، وتأمين الحد الأدنى لدعم صمود الفئات الضعيفة في المجتمع.  تدشين نموذج تعايشي مع قوى الإقليم، دون تغليب مشاعر الانتماء والخلفيات الأيدلوجية على العلاقات الإقليمية، نموذج يقنع هذه الدول أن حماس لا تمثل خطرا عليهم، وأنها ليست معنية بجر بلادهم إلى حرب مع إسرائيل، نموذج يثمر مصالحات بحكم الواقع مع دول الجوار مثل مصر والأردن، بما يكفل فتح نوافذ لانطلاق الحركة إلى فضاء العالم من جديد. 

ومن التجربة التونسية يلزم حماس تعلم: إمكانية المشاركة في حكومة وطنية بوزاراتٍ رمزية حتى وإن حازت الأغلبية البرلمانية. التحلي بحكمة الغنوشي لقيادة مفاوضات ستكون صعبة للتوافق مع كافة القوى والفصائل على ميثاق وطني جديد ومتقدّم يرتقي لمستوى قداسة الوطن وتضحيات الشعب. 

حكمة قد تقتضي في ظرف ما الخروج من السلطة لإنقاذ الشعب من وطأة الحصار، وتنقذ الاجماع الوطني من خطر التشرذم، وتسخير حكمة وفكر الأولين وتجارب الآخرين في البحث عن توافقاتٍ مؤلمةٍ، لحرمان العدو الصهيوني من اعتلاء صهوة فرقتنا للتمدد فوق أرضنا وكرامتنا.  لم تبلغ تجارب حكم الإسلاميين في تركيا أو تونس أو غيرها هذا المستوى من النجاح بالتنظير للإسلام المعتدل فقط، بل بالحنكة السياسية الكبيرة، التي أوحت للغنوشي على سبيل المثال لقيادة حزبه للخروج من السلطة، عندما شعر بأن بلاده على شفا الانهيار، وقال كلمته المشهورة التي ستبقى مسجلة في أسفار الحكمة والحنكة "خسرت النهضة السلطة لكن تونس ربحت الديمقراطية"، ولم يتصلب، ولم يحتمي بقاعدته الشعبية، العريضة لخوض صراع مرير حول السلطة، بل فضل الانحناء للعاصفة، وقراءة تفاصيل المشهد بعيون الحكمة، ما أعاد حزبه ليحوز الأغلبية تحت قبة البرلمان من جديد  بعد تفكك الحزب الخصم.

 ومن التجربة المغربية يلزم حماس تعلم: المزاوجة بين مقاومة الضغوط والانحناء للعواصف بما يكفل الاستمرار في صدارة المشهد، ليس كقيادة بل كعنوان لتطبيع سياسي وتعايش مع الحركة الأعرق في الساحة حركة فتح، التي خسرت ولم تستوعب أنها خسرت الانتخابات.  تطبيع يضع في رأس سلم أولوياته تحقيق مصالح الشعب ولو على حساب مصالح الحزب، تحقيق مصالح ولو كانت صغيرة ولكنها قد تكون كثيرة تكبر بالتراكم، كانت كفيلة بإعادة الأمل للشعب، أمل بالتغيير وأمل بالإصلاح لا يتحقق إلا في ظل الاستقرار. 

 تعلم فنون إخراج حماس من الخانة الأصولية إلى الخانة الوطنية، بما يكفل طمأنة جزء كبير من الخصوم والمتربصين بأنها لا تهدد وجود أو مصالح أحد، وأنها ليست بصدد التدخل في أو تغيير نمط العيش إلا بما يكفل تحقيق خطط محاربة الفساد والتنمية المستدامة، وأنها في الحكم حكومة لكل الشعب بغض النظر عن مشاربهم وألوانهم السياسية، وأن اهتمامها بخفض نسب البطالة وإصلاح أنظمة وقوانين العدالة والنهوض بالفقراء أكثر بكثير من اهتمامها بتحقيق مصالح منتسبيها ومحازبيها. 

تعلم فنون البقاء في قلوب وعقول الناس عبر تسخير كل الطاقات والإمكانات لخدمة الشعب، وتحويل كافة المقدرات والمقرات إلى خلايا نحل تعمل وسط المجتمع للنهوض به، وليس لقمعه أو زيادة معاناته. التجارب الثلاثة تتعلق عموما بفنون السياسة التنظيم والفكر، وإن كانت حماس تعتبر تجربتها الخاصة حرية بالدراسة والاقتداء، فلابد لحماس من الاستفادة من تجارب الآخرين للتكيّف مع تقلب الأحوال من جانب، ولتحقيق الإنجازات والوصول إلى الآمال المعقودة على هذه الحركة التي يعدها كثير من الناس حول العالم أمل هذه الأمة ورأس حربتهم الأشرف والأسمى والأطهر في هذا العالم الذي بات يغلب عليه لون الدم.