نجحت إسرائيل في وضع البرنامج النووي الايراني على رأس اولويات المرشحين للرئاسة الاميركية. وتحول المؤتمر السنوي لأكبر محفل يهودي في اميركا ممثلاً بلجنة «آيباك» الى منصة للتنافس بين هؤلاء على من يذرف قدراً أكبر من الدمع على ما سيحل بالدولة العبرية فيما لو نجحت إيران في إنتاج السلاح النووي الافتراضي. وهكذا، وقف الرئيس باراك اوباما يستجدي الأصوات اليهودية في مشهد مثير للأسى على حال الرجل الذي جاء الى البيت الابيض يحمل آمالاً كبيرة لمستقبل الولايات المتحدة وعلاقاتها بالعالم، فانتهى به الأمر يستعطف مجموعة من الاميركيين (بالرغم من نفوذها المعروف) كي تتفهم ظروفه و «لا تسمع أقواله فقط، بل أن تراقب ما يفعله»، في إشارة من الرئيس نفسه الى البون الشاسع بين ما يقول وما يفعل، والذي ظهر جلياً في السنوات الثلاث الماضية من خلال مواقفه من الازمة الفلسطينية. كما تجلى في السنة الاخيرة في مواقفه المتأرجحة حيال المحطات المختلفة للربيع العربي. ذكّر اوباما اليهود الأميركيين بما فعله لإسرائيل في السنوات التي انقضت من ولايته المقبلة على احتمال التجديد. من زيادة الدعم العسكري، ممثلاً خصوصاً بدعم النظام الدفاعي ضد الصواريخ المعروف بـ «القبة الحديد»، الى تصويته الشهير ضد عضوية فلسطين في الامم المتحدة، فضلاً عن تراجعه المخزي عن موقفه المعارض لسياسة الاستيطان والتهويد في القدس وفي سائر الاراضي المحتلة. وعلى عكس مؤتمر «آيباك» العام الماضي، الذي كان فيه الموضوع الفلسطيني في مقدمة الاهتمامات، بدا هذه السنة وكأن القضية الفلسطينية لم تعد موجودة، أو انه تم حلها، وتحول الاهتمام كله الى الملف الايراني. لقد نجحت اسرائيل ومعها اكبر تجمع لليهود الاميركيين في الايحاء بأن الصواريخ الايرانية، المجهزة برؤوس نووية، ستتساقط غداً على المدن الاسرائيلية. او بأن الضربة العسكرية هي الخيار الوحيد امام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمواجهة هذا «الخطر الايراني». مع ان تقارير الاستخبارات الأميركية تؤكد ان اي ضربة من هذا النوع ليست مؤكدة النجاح، فضلاً عن أنها في احسن الاحوال، سوف تبطئ فقط تقدم إيران على الطريق النووي، او انها ستؤدي الى رد اكثر خطورة، بحيث تدفع ايران الى التقدم على هذا الطريق، اذا كانت مترددة أصلاً او غير قادرة حالياً على ذلك. بهذه السياسة، تكون اسرائيل قد فرضت اولوياتها السياسية على المعركة الرئاسية الأميركية، فهي من جهة أسقطت القضية الفلسطينية من برامج المرشحين، ومن الجهة الاخرى دفعت العالم الى الوقوف الى جانبها في قضية تثير تعاطفاً دولياً كبيراً معها، على عكس الموضوع الفلسطيني، الذي لا تتعرض بسببه سوى للانتقاد. وبهذا المعنى، يكون النووي الإيراني أسدى خدمة كبيرة للدولة العبرية، ففي الوقت الذي لا يوفر هذا البرنامج اي خدمة منظورة لمشروع المواجهة مع اسرئيل، او لتحصيل حقوق الفلسطينيين، فإن «إنجازه» الوحيد يقتصر على التهويل الاعلامي وشد العصب الداخلي، في بلد يعاني التفكك تحت ستار وحدة مصطنعة، كما اظهرت الانتخابات النيابية الاخيرة.فمعظم الخبراء في الشأن الايراني لا يتوقعون ان تندفع إيران إلى مواجهة من أي نوع مع إسرائيل، على رغم الخطب الرنانة، في ظل معرفة القادة الايرانيين بحقيقة التفاوت الكبير في قوى البلدين، ومع إدراك ان هؤلاء القادة براغماتيون الى درجة كافية، ويعرفون تماماً اين يقع خط التراجع عمّا يمكن ان يهدد مصير الثورة الإسلامية ووجودها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.