19.18°القدس
19.12°رام الله
18.3°الخليل
21.34°غزة
19.18° القدس
رام الله19.12°
الخليل18.3°
غزة21.34°
الإثنين 11 نوفمبر 2024
4.84جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.02يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.84
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4.02
دولار أمريكي3.75

رسالةُ جماهير مُشيّعي شهداء (#رجال_الأنفاق)

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

 (1)

قبل عشرين عامًا خرجت جماهير غزة لتشيع جثمان (#المهندس) القساميّ يحيى عيّاش، الذي ارتقى شهيدًا في عملية اغتيال مُعقّدة نفذتها أجهزة استخبارات العدو، بعدما وصلت بمكرها وعن طريق عملائها إلى (#رقم_واحد)، إنّه المهندس الذي أحال المدن الكبرى في أراضي الـ(48) المغتصبة إلى أشباح بعملياته المؤلمة التي أجثت القادة الصهاينة مرارًا، وهو يُسدد الضربات الانتقامية ممن أوغلوا في انتهاك حرماتنا، وولغوا في دماء شعبنا، وكانت شرارة هذا النوع من العمليات الفدائية قتل المصلّين في الحرم الإبراهيمي وهم راكعون.

ومازلت أذكر مسيرة مشيعي (#المهندس) ذلك الحدث الوطنيّ المهيب، يومها كنت طالبًا جامعيًّا حين اندفعنا من تلقائنا كي نشارك في صناعة المشهد العظيم الذي أذهل المراقبين، وهم يرون الجماهير الزاحفة نحو مسجد فلسطين لتصلي على جثمان حمل روحًا ثأرت لكرامة أمة أُهينت.

ولعلّ الشاهد الذي أودّ ذكره من حديث المشاركة هو ما رأيته عندما وقف قائد الشرطة ببزته الرسمية (غازي الجبالي)، وهو يعطي التحيّة العسكريّة عند مرور جُثمان (#المهندس)، عند مدخل الشجاعية في طريقنا إلى مقبرة الشهداء، لقد أدرك قائد الشرطة يومها ما لم يدركه الغافلون الذين ينتقصون من الشّهداء جهلًا منهم بهذه القيمة الوطنية غير القابلة للنقاش.

(2)

نعم، قد استحق العيّاش كل هذا التقدير من شعبنا ومن كل قادة العمل الوطني والسياسي ومن يريد مكانًا في الوسط الفلسطيني؛ لأنّه قد تمثّلت فيه "قيمة المقاومة" في أبهى حللها، وأبلغ ما يمكن أن تكون في غيره إلا قليلًا ممن أصبحوا رموزًا وطنيّة وقامات سيذكرها التاريخ في سجل العظماء.

وتتحقق تلك القيمة في كل شهداء الإعداد لصناعة البطولة والفداء، فلا غرو أن يتكرر هذا الحدث بصورة متماثلة، وقد خرجت جماهير غزة العاشقة للمقاومة المستعدة لتقديم التضحيات بلا حدود؛ لأجل انتزاع الحقوق الوطنيّة، وتأكيد الحق الفلسطيني على كل فلسطين جزءًا من أمة عظيم أسهمت إسهاماتٍ كبيرةٍ في الركب الحضاري العالمي، وبما لها من تاريخ حافل بالعطاء.

(3)

نعم، خرجت الجماهير يوم الجمعة 29 يناير في تشييع شهداء الإعداد (#رجال_الأنفاق) الرجال السبعة الذي قضوا وهم يواصلون على ذات الشوكة، وقد سبقهم كثيرون، كان آخرهم المهندس القسامي محمد النجار، ومن قبله عبد الرحمن المباشر أحد أبطال وحدة الظل.

خرجت الجماهير بالأمس وتخرج اليوم وستخرج غدًا، لتوصل الرسالة نفسها التي وجهتها من قبل، ولتأكيد المضمون نفسه في غاية من الوضوح، وبصراحة لا تضع معها مجالًا للتأويل أو التبديل، وهي: "إنّ شعب فلسطين مع خيار البندقية والمقاومة، وإنّه لم يراهن يومًا على غير هذا السبيل".

لذلك لم يُسقط هذا الخيار مع مطلع أوسلو يوم تشييع (#المهندس) أو يوم أفول أوسلو وهي تجر أذيال الخيبة؛ فالرسالة التي ترسلها جماهير غزة اليوم أصالة عن نفسها ونيابة عن كل الشّعب الفلسطيني في كل ساحات وجوده واحدة.

فالمقاومة حق مشروع، وإنّ القتال من أجل الحرية واجب مفروض، وأمّا من يُراهن على الحصار والتضييق والتربص لخلق الفوضى أو إشاعة القلاقل والاضطرابات لإرباك المقاومة وكشف ظهرها؛ فإنّ جماهير المشيّعين تقول لهؤلاء: "رهانكم خاسر وأنت خائبون، وعما قريبٍ إن لم تكفوا عن غيّكم وتهتدوا لسبيلنا فإنّ أقدامنا ستدوسكم؛ لأنّ الشعب لم يُسقط البندقيّة يومًا، ولن يضلّ طريقه نحو القدس عاصمة لدولته العتيدة".

هذه الرسالة الجماهيرية في تشييع الشهداء بليغة وفصيحة، لأنّها موقعة بدماءٍ صادقة أوفت بالعهد وأبرّت القسم تحت ظلّ العلم الفلسطيني، ورايات كل الفصائل المقاومة.

(4)

غير إني سأتوجه إلى القارئ بسؤال استفهامي دون أية أغراض بلاغية: من الذي أخرج هذه الجماهير الغفيرة اليوم، ومن أخرجها بالأمس (يوم تشييع المهندس عياش) ومن سيخرجها غدًا؟

فإنّ من يظن أو يدعي أنها خرجت بدعوة فصائلية، ولمجاملة عائلية؛ فإنّه يكون قد جانب الصواب وأخطأ الجواب، والدلائل والبراهين كثيرة التي ترد هذا الظن أو هذا الادعاء، أما توجهت الفصائل جميعها في ذكريات انطلاقاتها الأخيرة بدعوات عامة للجماهير كي تخرج فلم يستجب إلا من كان مؤطرًا لدعوة فصيله؟!

غير أنّ الذي أخرج الجماهير إيمانهم بالمقاومة قيمة وطنية قبل أن تكون قيمة حزبية.

وإنّ من يعتزّ بالمقاومة وينتمي إليها ويعمل لأجل تطويرها وزيارة فاعليتها ويزيد من قوة كفاءتها؛ فإنّه قطعًا سيُزيد من أسهمه، ويُعزز مكانته في الوعي الجمعي الوطني، ويراكم من حضوره في القواعد الشعبية الحيّة.

وفي المقابل إن كل من يُحقّر من شأن المقاومة أو يذكرها بسوءٍ أو يلمز المقاومين؛ فإنّه لا يُحقّر إلّا نفسه الأمّارة بالسوء السياسي أو الفحشاء الأمنية.

(5)

فمن يُدرك هذه الحقيقة يجد أنّ الانشغال بالرد على الترّهات والمستهزئين بالمقاومة عمل بلا معنى ولا داعٍ له؛ لأنّ الشعب الفلسطيني في الحقيقة هو صاحب الثّورة، وإنّ المقاومة قيمة أصيلة ومتأصلة فيه، فهو يعرف كيف يعاقب المستهزئين، في الوقت الذي لا يقبل الوصاية عليه من أي فصيل هو أجير عند الإرادة الشعبية وخادم لها.

وإنّ الثورة لو ألقاها في قارعة الطريق من أعياهم المسير؛ فإن الشّعب هو من سيحتضن ثورته.

أيتها الفصائل الوطنية المقاوِمة، أنا أوجه لك الخطاب من واقع الحصار الذي نسدد به ضريبة العزة والكرامة، ونعض على جراحنا ونكتم أنين آلامنا.

نقول بكل صدق: "مَن لا يقْدر قدرنا، ويعرف قيمنا ليحترمها؛ فليس له مكان بيننا، فالبحر يلفِظُ الأموات، والكير يزيل خبث الحديد، والمعادن النفيسة لا تزيدها النار إلا توهجًا وبريقًا".