20.8°القدس
20.54°رام الله
19.42°الخليل
25.68°غزة
20.8° القدس
رام الله20.54°
الخليل19.42°
غزة25.68°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

أمجد السكري حالة نخبوية أخرى

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر

لا تزال هذه الانتفاضة تقدّم من الدلائل ما يؤكد أنها انتفاضة النخبة المضحية، ولم تتطوّر لتستغرق عموم أو غالبية الجمهور الفلسطيني في الضفة حتى الآن، وليس المقصود بالنخبة تلك الفئة التي حازت خصائص ثقافية أو فكرية أو اجتماعية معيّنة، إنما تلك الفئة التي امتلكت إقدامًا لم يمتلكه المجموع، ووعيًا بمسؤوليتها الفردية لمواجهة عدوّها بما تيسّر لها من أدوات.

أي أن روّاد الفعل المسلّح أو الشعبي في هذه الجولة هم نخبة أبناء الفصائل وليس كلّهم ولا غالبيتهم، ونخبة غير المؤطرين وليس عموم الجمهور، ويبدو الآن أن عملية الشهيد أمجد سكري في (بيت إيل) تشي بظهور حالة يمكن أن نسمّيها نخبة عناصر أجهزة الأمن في الضفة، مع أنها لم تتطور لتصبح ظاهرة بعد، إضافة إلى أنه من الصعب المراهنة على إمكانية اتّساعها لتشمل عناصر آخرين في ظل الواقع الأمني المعروف لأجهزة السلطة في الضفة، ورقابتها الصارمة على أفرادها وسلاحهم واتجاهاتهم الفكرية، في سبيل ضمان بقائهم خارج دائرة الصراع مع الاحتلال.

ولعلّنا لاحظنا تجاهل المؤسسة العسكرية للسلطة الشهيد أمجد، والامتناع عن تشييعه في جنازة عسكرية، وعدم الاحتفاء بفعله في وسائل الإعلام الرسمية للسلطة وحركة فتح، وكلّ ذلك لأن المطلوب قطع الطريق على إمكانية تكرار فعله من قبل زملاء له، في وقت تجتهد أجهزة السلطة في ملاحقة كلّ سلاح مقاوم، مهما كان مصدره.

على صعيد الشارع الفلسطيني وفصائل المقاومة كان الاحتفاء بالعملية واسعًا، إلى درجة أن هناك من بالغ كثيرًا في الحديث عن دلالاتها وما يمكن أن تؤسس له، كالقول إنها تعني انهيار سياسة صناعة "الفلسطيني الجديد" التي انتهجها دايتون مع عناصر أمن السلطة في الضفة، أو القول إنها إيذانٌ بانهيار مشروع التنسيق الأمني مع الاحتلال.

والحقيقة أن هذا ما يتمناه عموم الجمهور الفلسطيني الذي لا يمكن أن يختلف في إيمانه بالمقاومة، وهذا ما ترغب به فصائل المقاومة في فلسطين، أي أن تنهار كل الجدر التي تحول بينها وبين مقاومة الاحتلال، وأن ينتهي عهد ملاحقة المقاومة بأيدٍ فلسطينية، لأن النزاع مع حركة فتح في أساسه ليس نزاعًا سياسيًّا مجرّدًا أو متأسسًا على خلافات تقاسم المناصب والامتيازات في الحكم، بل نشأ وتطوّر في ظل مشروع التسوية مع الاحتلال الذي رعته فتح، وظلّ ماضيًا حتى وصل إلى مرحلة العمل على تغييب المقاومة وإقصاء فعلها بالقوّة والحرص على تأمين كامل لجبهة الاحتلال، وشطب المقاومة المسلحة من القاموس الفلسطيني كما تريده قيادة فتح.

ولذلك لا نستطيع حاليًّا الخلوص إلى نتيجة أن العملية البطولية الأخيرة تشكّل تحوّلًا في منهج السلطة وسياساتها، لأنها كما غيرها كانت عملية نخبوية فردية، تضاف إلى سلسلة العمليات شبه اليومية التي يجتهد شبان فلسطينيون في تنفيذها في عموم الضفة، مع فارق أن الشاب الفلسطيني الذي ينفّذ عملية وهو محسوب على تنظيم مقاوم يحظى فعله بالتبجيل والتشجيع والاحتفاء، وأسرته بالرعاية من قبل تنظيمه، حتى لو لم ينفّد العملية بأوامر مباشرة منه، على عكس حالة الإنكار والتجاهل التي جوبه بها فعل الشهيد أمجد سكري (رحمه الله) من قبل مؤسسته العسكرية.

لكن هذا الجفاء من قبل السلطة في التعامل مع فعل الشهيد لا يمكن أن يكون ضامنًا لعدم تكرارها، حتى لو لوّحت بعقوبات صارمة بحقّ من يفكر في انتهاج فعل عسكري؛ ففي النهاية ثمّة مناخ عام يُعلي من قيمة التضحية، ويشجّع عليها في ظلّ انتهاكات الاحتلال اليومية، ومن الصعب استثناء فئة بعينها من التأثر بهذا المناخ، وبقدر تطوّر درجة سخونته سيكون حاضرًا الأمل في أن نشهد المزيد من هذه العمليات النوعية، وأن يخرج أمجد آخر يفهم دوره ويستثمر مهاراته العسكرية، ويوظّف سلاحه في المكان الصحيح، وحينها سنقول بكلّ ثقة: إن قواعد جديدة للصراع بدأت تتأسس في الضفة، وإن حدّة التمايز والافتراق بين عنصر الأمن وعموم الجمهور قد بدأت تتلاشى، ليحلّ محلّها العمل المشترك لمجابهة الاحتلال دون أن يستثني جهة أو تنظيمًا أو أفرادًا غير مؤطّرين.