كل من يراقب أداء وسلوك الحكومة الإسرائيلية الحالية يتبين له بسهولة مقدار التسارع في خطواتها باتجاه تصعيد نوعي غير مسبوق ضدنا؛ نحن أهل الداخل الفلسطيني. فلقد كان قرار حظر الحركة الإسلامية هو نقطة البداية وشارة الانطلاق في مشوار الـ "عليهم"، ثم كان قرار تفويض الشرطة ووزارة الأمن الداخلي برئاسة الوزير "أردان" بتنفيذ قرارات الهدم، بعد أن كان هذا من صلاحيات وزارة الداخلية،
ورأينا نتائج ذلك سريعا في هدم البيوت في طمرة وفي الطيبة، وهدم مسجد مرتين في النقب، وتزامن هذا مع قرار قبول توصيات اللجنة الحكومية التي تضمنت وجود خمسين ألف بيت عربي غير قانوني وفق وصفهم، ثم كان قرار وزيرة الرياضة والشباب "ميري ريغف" بربط تقديم الميزانيات للمسارح والمراكز الثقافية العربية بإعلان الولاء للدولة، ثم تلك الموجة من التهويد والأسرلة في مناهج التعليم، التي أقرتها وزارة التعليم برئاسة زعيم المستوطنين "نفتالي بينت"، وظهرت ملامح ذلك في كتاب المدنيات، وظهرت كذلك في مقدار تعظيم وتبجيل الحاخامات اليهود من أصحاب المواقف العنصرية في أذهان الطلاب اليهود، وكل ذلك ورد في المقررات الدراسية.
ولكن الأخطر من كل هذا- حسب قناعتي- هو تزامن تنفيذ مشروعين متناقضين؛ أحدهما في الوسط العربي، والثاني في الوسط اليهودي. أما المشروع الذي سينفذ في الوسط العربي فهو الذي تمثل في إعداد جهاز خاص في الشرطة وضع على رأسه ضابط شرطي عربي، يقال إنه يتقلد أعلى وسام يتقلده شرطي عربي، حيث وظيفة هذا الجهاز العمل على ملاحقة وضبط السلاح غير المرخص تحت شعار "ضبط القانون ومكافحة الجريمة"، ولمن نسي فإنني أذكّر أن “نتنياهو” وخلال كلمته التحريضية في شارع ديزنكوف يوم 2-1-2016 تحدث عن السلاح غير المرخص والسائب، كما وصفه، داخل المجتمع العربي.
وأشار إلى ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة، وكان ذلك ردة فعل منه على ما فعله الشاب نشأت ملحم من قتل شخصين يهوديين قبلها بيوم واحد.
إن هذه الغضبة من “نتنياهو”، وما أعقبها من خطوات سريعة تمثلت في إقامة مديرية شرطية يترأسها ضابط عربي تهدف لضبط النظام والقانون في الوسط العربي لم تكن لتحصل لولا أن هذا السلاح قد قتل يهوديا.
ألم يسمع “نتنياهو” من قبل عن وجود سلاح في أيدي ما تسمى عائلات الإجرام العربية، والتي كانت تمارس جرائم القتل المضادة ضد بعضها، حتى وصل ضحاياها العشرات من كل طرف؟
ألم يسمع “نتنياهو” عن جرائم الثأر بين العائلات في عديد من القرى العربية ولأسباب تافهة، سواء في مواسم الانتخابات أو جرائم القتل على خلفية ما يسمى بـ"شرف العائلة"، وغيرها راح ضحيتها العديد من الشبان والنساء العرب؟
ألم يسمع “نتنياهو” أنه وعندما كانت تنشب خصومات وشجارات مؤسفة بين عائلات في قرى عربية، وكان يجري الاتصال بالشرطة، وكانت الشرطة لا تدخل وتبقى عند مداخل القرى رغم علمها باستعمال السلاح ووقوع قتلى وجرحى وسقوط ضحايا، فلا تدخل إلا بعد نهاية الشجار؟
ألم يسمع “نتنياهو” عن عصابات تهريب المخدرات وترويجها والتي تستعمل السلاح لحماية جرائمها؟
ألم يسمع “نتنياهو” عن ظاهرة العربدة والخاوة التي راحت تنتشر في العديد من القرى العربية، حيث وتحت تهديد السلاح يجري ابتزاز أصحاب المصالح والمتاجر؟
ألم يسمع “نتنياهو” نداءات المسؤولين العرب، ومنذ سنوات، عن ظاهرة إطلاق الرصاص خلال مواسم الأعراس، حيث كان لذلك ضحايا، وحيث حالة الرعب والإزعاج التي تترتب على ذلك؟
ألم يسمع “نتنياهو” وألم يعرف أن مئات جرائم القتل لأسباب مختلفة في الوسط العربي لم يكشف عن مرتكبيها لتبقى ملفات وجروحا مفتوحة ونازفة، بينما إذا كان الضحية يهوديا والدوافع أمنية أو جنائية فإنها ساعات وأيام وإذا بالفاعل قد اعتقل؟
إن “نتنياهو” كان يعلم ذلك جيدا، وكانت تعلم أكثر منه الأجهزة الأمنية، التي كانت على ما يبدو تتغطى بقرارات سياسية؛ أن (اتركوا الأطفال يلعبون بالسلاح)، وفق نظرية "هنري كيسنجر"؛ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، في رده على الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. إن الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية كانت تعلم جيدا وجود سلاح، لكن ما دام ذلك السلاح موجها للعرب وليس لليهود فلا يعتبر سلاحا خطيرا، أما وإنه قد توجه هذا السلاح لليهود فإنه الخط الأحمر الذي جعل “نتنياهو” يرغي ويزبد، ويجري تشكيل مديرية للشرطة بشكل فوري.
كان هذا هو المشروع الأول الذي بادرت إليه الحكومة الإسرائيلية، وبدأت تنفذه بجمع السلاح من العرب. وأما المشروع الثاني، وهو على النقيض من الأول تماما، فإنه تمثل بتسليح اليهود. صحيح أن المجتمع الإسرائيلي اليهودي بطبيعته مجتمع عسكري، وكل من فيه يعرف مئات آلاف قطع السلاح المرخص الذي بحوزة إسرائيليين حتى بعد انتهاء الخدمة العسكرية، لكن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية عبر دعوة المستوطنين إلى حمل واقتناء السلاح، وعبر دعوة مالكي السلاح إلى حمله، وظهر ذلك جليا كنموذج مشجع عندما ظهر وزير التعليم الإسرائيلي "نفتالي بينت"، ومثله رئيس بلدية الاحتلال "نير بركات"، وكل منهما يتقلد مسدسا على خاصرته، ولما سُئلا عن ذلك قالا: إنه لإطلاق النار فورا على أي مخرب يظهر أمامي.
ولقد ظهرت آثار قرار الحكومة بتسليح المجتمع الإسرائيلي عبر الدعوة لتسليح وتدريب وحمل السلاح للشبان المتدينين (الحريديم)، الذين لم يخدموا في الجيش لاعتبارات دينية، ولعلهم يكونون الخاصرة الضعيفة في مجتمع أمني عسكري كالمجتمع الإسرائيلي؛ خاصة بعد طعن وقتل العديد منهم خلال انتفاضة القدس الجارية. إن قرارا حكوميا سابقا بتفويض أي شرطي بإطلاق النار ليس فقط عندما تعرض حياته للخطر، وإنما عندما يشعر أو يظن أن حياة غيره معرضة للخطر، ما يعني أن سهولة الضغط على الزناد أصبحت تحظى بدعم وغطاء وحماية قانونية حكومية ورسمية.
فهل ستصبح منظمة "لهافا" ميليشيا؟ وهل ستصبح "إم ترتسوا" ميليشيا؟ وهل ستصبح "شباب المستوطنات" ميليشيا؟ وهل ستصبح "شباب من أجل الهيكل" ميليشيا؟ وهل وهل...؟
وهنا فإن لي أن أتساءل عن هذا الإجراء، والتزامن والتناقض في آن واحد؛ إجراء مشروع سحب السلاح من العرب، ومشروع تزويد وترخيص السلاح لليهود؟! ومع أننا كنا مع من طالب بضبط حمل السلاح في الوسط العربي لما له من انعكاسات سلبية على نسيج مجتمعنا، وكنا لا نرى إلا آذانا صماء، فإن هذا الإجراء الفوري والحازم، وذلك الإجراء الآخر الذي يعاكسه يثير ألف ألف سؤال على مستقبل العلاقة بين الشعبين. بل إنني أتساءل: هل أصبح دمنا مهدورا منذ الآن؟! هل أصبح أي منا معرضا للقتل والإعدام الفوري إذا ذهب إلى العمل أو الجامعة أو إلى النزهة والتسوق أو بمجرد ركوبه في حافلة أو قطار؟ ما هو مستقبل العرب في المدن المختلطة؟ هل هي ملامح تشكيل عصابات كعصابات "الهاغانا" و"الإيتسل" و"الليحي" التي كانت مهمتها تهجير الفلسطينيين قبيل نكبة عام 1948؟
هل نحن بين يدي مشروع ترانسفير عرقي طائفي ضدنا نحن الفلسطينيين، تنفذه ميليشيات يهودية، ومن ثم تدعي الحكومة الإسرائيلية أن ما يجري ليس بعلمها، وتتظاهر أنها لا تقبل به بتاتا كما تفعل ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي في العراق؟ الأيام وحدها والمستقبل القريب سيخبرنا عن حقيقة هذا الإجراء المشبوه ،الذي أقدمت عليه الحكومة الإسرائيلية... فالحذر الحذر!!