من حق المواطنين في بلدة قباطية جنوبي جنين أن يحتفلوا ويطلقوا الزغاريد بعد صمودهم في وجه الحصار الذي تعرضوا له من قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدار ثلاثة أيام.
الحصار كان بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" عقب عملية القدس، التي نفذها ثلاثة شبان من البلدة، وهم: أحمد أبو الرب ومحمد كميل وأحمد زكارنة وقتلوا مجندة إسرائيلية وأصابوا آخرين.
فبعد إغلاق جيش الاحتلال مداخل البلدة السبعة بالسواتر الترابية ومرابطته عليها طيلة 72 ساعة، وشنه لحملة اعتقالات ومداهمات.. وإطلاقه النار على المنتفضين وإصابة عدد منهم بالرصاص.. وصل إلى قناعة مفادها أن كسر إرادة هؤلاء مستحيلة، ففضل الانسحاب، جارا معه أذيال الهزيمة.
"فلسطين الآن" زارت البلدة بعد أن هدأت الأمور، وبدأت المياه تعود إلى مجاريها.. حيث التقى مراسلنا برئيس البلدية "محمود كميل" -أبو عتيق- وعدد من ذوي الشهداء والمعتقلين.
عطاء دائم
يقول أبو عتيق إن "شعار البلدية الموجود على مدخلها هو "شجرة الزيتون"، متسائلا "ماذا يعني هذا؟؟ إخضرار على مدار العام، عطاء دائم وعزة تعانق السماء".
ويؤكد كميل أن "هذا ليس شعار البلدية وحسب، بل شعار كل أهالي البلدة، ومن خلفهم كل الفلسطينيين.. الذين يؤكدون تمسكهم بأرضهم ورفضهم لتركها فريسة سهلة في يد الاحتلال، مهما فعل أو حاول أن يفعل".
وحول ظروف الحصار التي مرت بها البلدة، يشدد كميل على أن جنود الاحتلال كانوا يحاصرون أنفسهم، بل أن قباطية هي التي كانت تحاصر "إسرائيل".
وتابع "عن أي ظروف تتحدث!! نحن أقوى منهم. لم ترف لنا عين طيلة هذه المدة.. فقباطية صمدت خلال الانتفاضة الأولى في ظل حصار استمر عدة أشهر، ومنع تجول خلال الانتفاضة الثانية زاد عن أربعين يوم..
وأضاف "نحن جزء من هذا الوطن الحبيب.. ولا ننظر إلى شيء آخر.. قدمنا شهداء ولا يهمنا أية أضرار مادية".
زلزلة "إسرائيل"
عملية هزت منظومة الأمن الإسرائيلية، وطرحت تساؤلات مشروعة حول قدرة الاحتلال وجيشه على وقف انتفاضة القدس، ومنع العمليات الفدائية التي توجعه وتصيبه في مقتل.
الناطق باسم جيش الاحتلال، أشار إلى أن سبب الانسحاب من قباطية هو خشية انطلاق انتفاضة جماهيرية في جنين.، بعد أن غدت تلك البلدة التي يزيد عدد سكانها على 20 ألف نسمة، نقطة انطلاق لمواجهة الاحتلال وملاحقة جنوده في كل مواقع تواجدهم.
وسبق لقباطية أن قدمت قبل الشهداء الثلاثة، ستة شهداء آخرين، معظمهم ارتقى خلال تنفيذه عمليات طعن على حاجز الجلمة العسكري. كما زاد عدد المعتقلين خلال انتفاضة القدس على 30 معتقلا، غالبيتهم خلال الحملة الأخيرة على البلدة.
فخورون بأبنائنا
يقول والد الشهيد زكارنة إنه وعائلته وعائلتي الشهيدين أبو الرب وكميل وكل أهل قباطية فخورون جدا بأبنائهم الشهداء، ويرفعون رؤوسهم عاليا بهم.
وتابع "ابني كبقية الشباب، كان يحاول أن يعيش حياة طبيعية.. لكن الاحتلال الإسرائيلي هو سبب كل شر وكل أذى.. يقتل ويدمر ويعتدي على مقدساتنا، فماذا ينتظر".
وأضاف "عندما اقتحم جيش الاحتلال منزلي قلت للضابط "أنتم تتحملون المسئولية الأولى والأخيرة عن هذه العملية.. أنتم من تقتلون الأطفال وتعتدون على الحرائر وتدنسون المقدسات".
حاول الضابط تبرير ما يرتكبونه من جرائم، وأن ابنه قتل مجندة وارتكب جريمة، فلم يكن من الأب إلا أن صاح في وجهه وأجبره على الصمت.
لن نهتم بالبيت
أما والد الشهيد أبو الرب، فقال في رده على مخاوفه من هدم الاحتلال لمنزله "فقدنا الغالي، فهل نحسب حسابا لأي شيء بعد ذلك!!.. إذا مات الفارس فهل نبكي على الفرس!!".
وأضاف "ابني كان نموذجا للشباب الطموح، يصلي وملتزم دينيا ويشهد له القاصي والداني بأخلاقه.. كان يحب كرة القدم، لكن فلسطين أقرب إلى قلبه".
وزاد "منذ أن استشهد أحمد كميل على حاجز الجلمة في أول هذه الانتفاضة، وقباطية حزينة.. وقدمت الشهداء واحد تلو الآخر.. فابني لن يكون الأول ولن يكون الأخير، ما دام الاحتلال ماكثا فوق أرضنا".
توحدوا يا شعبنا
أما في البلدة، فلا ذكر إلا للشهداء، وإشادة كبيرة بما قدموه.
يقول "يوسف نزال" أحد المنتفضين إن قباطية كانت ولا زالت علما في المقاومة والجهاد. قباطية توحدت وأرسلت رسالة لكل الفلسطينيين أن توحدوا وارتقوا عن الخلافات.
ووجه رسالة للاحتلال أن عليه أن يعيد حساباته، ويدرك جيدا أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم. وأن الجيل الشاب هو القائد الحقيقي حاليا للمعركة، ولن تجدي معه كل محاولات القمع والتنكيل.