إلى الرفيق الأعلى، انتقلت الناشطة النسوية رابعة رشيد أبو يونس الزعبي، اليوم الأحد، بعد مسيرة حافلة وحلمٍ جارف بالعودة إلى مسقط رأسها ومسرح طفولتها.
ولدت أبو يونس في حي الحلّيصة بحيفا، في 13 تشرين ثاني 1933، إذ انتقلت للعيش في منزل جدتها بـ"وادي الصليب" بعد رحيل والدها، أما جدها عبد الله، فقد كان مطاردا للاحتلال البريطاني.
منسق وزارة الإعلام في مدينة طوباس عبد الباسط خلف، قال إن الراحلة أم الناجي قدمت رغم مرضها خلال أيار الفائت شهادتها المرئية على حيفا. كما حرصت بلهجة مدينتها السليبة على رواية شريط النكبة لفريق الصحافيات الصغيرات، الذي شكلته الوزارة وجمعية طوباس الخيرية قبل أربع سنوات، ومدت فتيات طوباس بالأمل والمبادرة، وقدمت لرجالها فكرة الشراكة.
بيت ومذياع
روت -وقتها- قائلة: "كان بيتنا كبيراً وفيه أربع غرف وصالة واسعة، ومذياع خشبي كبير، وبنى جدي فوق منزلنا مسجداً باسمه، فيما كانت بجوارنا المدرسة الابتدائية، وكنا نُقابل الهادار والبحر. وكان والدي يعمل أمامًا وخطيبًا ومعلمًا ومؤذنًا أيضًا، وقد تخرّج من جامع الأزهر بمصر. أما والدتي مريم محمد الشخشير فكانت ربة منزل. ولي ثلاث أخوات: كلثوم، وزبيدة، وآمنة، وثلاثة أخوة (شفيق، وحسن، ورايق).
تعلمت حتى الصف الرابع الابتدائي بـ"الحلّيصة"، ثم انتقلت بعد رحيل والدي إلى منزل جدتي فاطمة بوادي الصليب، ودرست فيها لسنتين، وتعلمت أختي زبيدة فنون الخياطة والتطريز؛ لإعانة عائلتي بعد غياب والدنا.
وباحت: كان جدي من رفاق الشيخ عز الدين القسّام، وقد تعرض لملاحقة الإنجليز، الذين اعتقلوا والدي عام 1943، وأعلنوا أنهم لن يفرجوا عنه إلا بتسليم جدي نفسه لهم، واستمر احتجاز أبي ستة أشهر، فمرض في السجن، ثم رحل عنا وعمره 37 سنة، بينما فر جدي إلى الشام عن طريق الرمثا، وكان يزود الثوار بالسلاح، وتوفي هناك بعد عام تقريباً.
اقتلاع وغربة
حافظت "أبو يونس" على عادات حيفا وتقاليدها قبل الممات، وأجادت صناعة أطباقها، واحتفظت بصورة جدها النادرة، وبعض المقتنيات القديمة منها، فيما تحوّل منزل عائلتها المبني من الحجارة للمستوطنين، وقد زارته قبل سنوات، وشعرت بالمرارة على ما حدث له.
وبحسب أم الناجي، فقد انتشرت جرائم العصابات الصهيونية في حيفا، وكانت شاهدة على إلقاء القنابل اليدوية على السيارات والبيوت، وشاهدت بعينيها إطلاق النار على المصلين في مسجد جدها، وقتل عدد منهم، بينهم الإمام الشيخ صالح من إجزم وقت صلاة الفجر.
تروي حكاية اقتلاعها: كان اليهود يضربون بالهادار، واقترح علينا خطيب أختي (نظمي أبو بكر) أن نخرج إلى جنين، حتى تهدأ الأوضاع، وأخذنا معنا بعض الملابس وعدد قليل من الأغطية والأواني، وأخذنا مركبة مع أخوتي وأمي، وكانت الدنيا قايمة قاعدة)، واستطعنا الوصل إلى يعبد.
تضيف قبل أشهر من رحيلها: أقمنا في يعبد سنتين، وحينما شحت المياه في سنة محل، كان الأهالي يقولون لنا (اطلبوا منا تنكة زيت، ولا تطلبوا الماء)، فانتقلنا إلى أقرباء أمي في نابلس، وبقيت فيها، وتعلمت اللغة الإنجليزية، والتمريض في المستشفى الإنجيلي، وتزوجت عام 1957، وأمضينا سنتين في جنين وطوباس، ثم انتقلنا للكويت حتى عام 1966، وعدت إلى طوباس، وأسست جمعية خيرية، وترأستها 25 سنة، وخضت أول تجربة انتخابات بلدية عام 1976.
رحلة طويلة
بدأت المرحومة (بإذن الله) في العمل الخيري والتطوع عام 1966، وشاركت مع زميلاتها في بناء جمعية طوباس الخيرية، بعد نكسة عام 1967 بثلاث سنوات، وقتها كانت روضة الجمعية بيتاً خشبياً، وغرفة واحدة وحمام صغير، وفيها 35 طفلاً، وكانت الفئران تنزل على الأطفال من السقف.
دعم زوج الراحلة رابعة فكرة إنشاء بناية مستقلة للجمعية، فيما نشطت هي ورفيقاتها، بعد عودتها من غربة لم تدم طويلاً في الكويت، في محاولات افتتاح مقر، وإكمال ما بدأت به أول هيئة إدارية للجمعية رأستها صديقة عبد الرحمن، والسيدات رضية أم زياد، ونوال العمري، وسعدة المبسلط، ورحاب خضيري، وإقبال المبسلط، وسعاد القني. ثم أجرين اتصالات مع الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، والشؤون الاجتماعية، وسافرن إلى الأردن، وبدأن نجمع التبرعات من نابلس وطوباس وطولكرم وجنين ورام الله، واتصلن بالبلدية للحصول على قطعة أرض، وبدأن بالبناء عام 1971.
مسيرة حافلة
وانتخبت عام 1970 رئيسة للجمعية، وبقيت في هذا المنصب حتى عام 1996، وفي تلك الفترة أسست برنامج محو الأمية، وروضة أطفال، ومدرسة، وصالون تجميل لتعليم الفتيات، ومخيطة، ومركز رعاية أمومة وطفولة. وواصلت مساعيها لتوسيع مقر الجمعية، وبدأت ومن معها لإضافة دور ثانٍ، واستحدثن سوقاً للجمعية، وألعاباً للأطفال، ومشغلاً لتعليم الفتيات الغزل والنسيج، ونقلن نشاطاتهن، وبخاصة في حقلي الخياطة ورعاية الأمومة والطفولة وتثقيف النساء، إلى عقابا وطمون وتياسير المجاورة، فيما استفاد المئات من الأطفال والنساء من خدمات الجمعية ومبادراتها.
ترشحت للانتخابات البلدية عام 1976، وشجعها زوجها لتكون أول سيدة تفعل ذلك في جنين ونابلس، ولم يعجب قرارها الكثير من الرجال، غير أنها حصلت على نحو 100 صوت، واحتاجت أصواتاً قليلة للفوز، في وقت لم تكن تخرج النساء من بيوتهن.