داخل غرفتها الصغيرة وعلى مكتب دراستها تجلس، وتتنقل أناملها بسرعة كبيرة على أحرف آلة الكتابة بطريقة "برايل"، تكتب دروسها وتلخيصات المواد التي تلقتها في مدرستها بعد أن تمليها عليها والدتها، في همة عالية وعزيمة قوية تتحدى إعاقتها وتتعالى على صعوباتها من أجل التفوق والنجاح.
منذ ولادتها فقدت "أسماء أبو هلال" بصرها وعاشت طوال سنوات حياتها كفيفة عاجزة عن الرؤية؛ ولكنها ليست عاجزة عن الإرادة والتحدي والإصرار، لا ترى الأشياء من حولها؛ ولكنها تبصر ببصيرتها قمة التفوق والأهداف العالية التي تصبو للوصول إليها في حياتها.
تفوق رغم الإعاقة
في صفوف الطالبات المتفوقات وأمام جميع طالبات مدرستها ومعلماتها وقفت أسماء، وسارت أمامهن مع زميلاتها المتفوقات خلال حفل تكريمي نظمته مدرستها شفا عمرو الثانوية للبنات، وأخذت تلوّح بشهادة تفوقها معبرة عن فرحتها وسعادتها بحصولها على المركز الأول على طالبات الحادي عشر في القسم الشرعي.
تدرس الطالبة المتفوقة الكفيفة "أسماء أبو هلال" (17 عامًا) من سكان حي الجنينة شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة في مدرسة شفا عمرو الثانوية للبنات في الفصل الحادي عشر الفرع الشرعي.
وأوضحت أبو هلال خلال حديثها لـ"فلسطين الآن" أنها حصلت على المركز الأول على الفرع بمعدل 99% رغم إعاقتها، وقالت: "بداية ميلادي كنت كفيفة، والحمد لله كنت أول سنة بعد الحرب في لصف العاشر، وكنت خائفة كتير منها بسبب تغيير بعض المواد العلمية، ولكن مع ذلك استطعت أن أبقى متفوقة ومن الأوائل رغم الحرب وكل المعاناة التي عشناها في الحرب".
وبكل عزيمة وإصرار تابعت بقولها: "عندي أمل وطموح في توجيهي أن أكون من أوائل الوطن على الفرع الشرعي، وإن شاء الله سأحقق حلم أهلي"، معبرة عن شكرها وامتنانها لأهلها ومدرساتها ومدرسة "النور والأمل" وكل من وقف بجوارها لتحافظ على تفوقها طوال سنواتها الماضية رغم فقدانها لبصرها.
وأشارت أبو هلال أنها توفر كتبها الدراسية من مدرسة النور والأمل التي ترعى المكفوفين، وتكتب تلخيصات الدروس التي تكتبها زميلاتها في المدرسة من خلال طريقة "برايل" الخاصة بالمكفوفين.
وقالت: "أحصل على التلخيصات من الطالبات وأكتبها في البيت وأدرس لوحدي على طريقة "برايل"، وأمكث تقريبا من ثلاث إلى أربع ساعات، ألخص وأحضر وأراجع وإذا في حفظ أحفظه، وعندي قدرة عالية على الحفظ".
اهتمام وطموح
"بأحلم أشوف الفراشة حول الزهرة عم بيدور، بحلم أشوف العصفور فوق الشجرة وهو مسرور، بأحلم أشوف الثلج بينزل، بدل العتمة أشوف النور"، بهذه الكلمات التي تعبر عن حالتها أنشدت أسماء، منوهة أنها تتمتع بموهبة الإنشاد، وتحفظ من القرآن الكريم ستة أجزاء.
وقالت خلال حديثها: "عندي موهبة النشيد، وحافظة من القرآن ستة أجزاء، وأتمنى في المستقبل أن أصبح مدرسة جامعة وأتخصص في العلم الشرعي"، مضيفة: "كثير من المتفوقين تحدّوا الإعاقة وتحدّوا الأمور الصعبة، وإن كنا معاقين لكن لنا عقول نفكر فيها وسنعمل كل الخير للمجتمع".
وتابعت: "أقول للمجتمعات أن الكفيف والمعاق بشكل عام ليس معاق القدرة بل هو معاق الإرادة ونحن نملك الإرادة بحمد الله، ولذلك نحن لسنا معاقين وسنبقى مستمرين وسنظل من تفوق إلى تفوق حتى نري كل المجتمعات أننا سنعمرها وسننشر الخير فيها".
وبدورها قالت والدة الطالبة أبو هلال لـ"فلسطين الآن": "الحمد لله زرعت وحصدت، وطوال الوقت وقفت بجانبها ولا أتركها نهائيًا في امتحاناتها ودراستها وطعامها وشرابها، والحمد لله أسهر معها يوم الامتحان ولو كان عندي أي زيارة ألغيها فأنا دائمًا واقفًا بجانبها، والحمد لله بقيت متفوقة ولم يذهب تعبي، وأشكر الله أنني غير متغلبة معها، وأشعر أنها النور الذي أسير فيه".