ليس من قبيل الصدفة أن يحفر أهالي قرية قريوت جنوبي نابلس قبرا مشتركا للشهيدين لبيب عازم ومحمد زغلوان، فقد كانت تربطهما علاقة متميزة ولا يفترقان إلا وقت النوم، كما يؤكد الأهالي هناك.
وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الشهيدين فجر الأربعاء الماضي 2/3/2016 على مدخل مستوطنة "عيليه" المقامة على أراضي القرية، بعد ادعاءها أنهما حاولا تنفيذ عملية فدائية داخلها.
تركا الدنيا خلف ظهريهما، ولم ينتظرا امتحانات الثانوية العامة الصيف المقبل، كأقرانهما؛ فقد نالا شهادة أعلى وأرفع، وباتت أرواحهما تحلق في جنان النعيم.
ويؤكد شهود عيان أن الشهيدين اختفيا من القرية بعد أدائهما صلاة العشاء ليلة الثلاثاء 1/3، وبحث عنهما المواطنون في كل مكان، حتى سمعوا بخبر استشهادهما.
مراسل "فلسطين الآن" زار القرية وتحدث إلى عدد من الناشطين في مقاومة الجدار والاستيطان والمواطنين.
المقاومة حق
يقول عبد الناصر بدوي -الذي كان رئيسا للمجلس القروي للقرية سابقا-، إن البلدة تقف بكل إجلال وإكبار لهؤلاء الشهداء، الذي قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل فلسطين".
وتابع "قريوت تفخر بما فعله أبنائها، وهي تدرك بكل أطيافها أن هذا نتيجة حتمية لما يقوم به الاحتلال من أعمال عنف وقتل للأبرياء واستيطان ومصادرة أراضي، لذا فالشبان -من أمثال الشهيدين- لم يعد يجدوا سبيلا لرفع الظلم الواقع عليهم سوى بالمقاومة بكل أشكالها".
ويرى بدوي أن عملية السلام فشلت، ولم يعد هناك أي أثر لها على الأرض "قريتنا أكبر مثال.. صادر الاستيطان منها أكثر من 60% من أراضيها.. تحاصرها 4 مستوطنات من الجهات كافة.. وهي أسوة ببقية قرى وبلدات جنوبي نابلس محاصرة ومغلقة وتحدها الحواجز من كل مكان.. فماذا يمكن أن يكون ردة فعل الشباب وهم يرون أن الأمل بمستقبل أفضل بات ضعيفا!! ولا يجدون أحد يقف في وجه هذا الاحتلال".
اما والدا الشهيدين عازم وزغلوان، فيؤكدان أن ابنيهما يعيشان ظروفا جيدة ومن المتفوقين في دراستيهما وتربطهما علاقة مميزة مع أبناء جيلهم وبقية أبناء القرية.
تربية صالحة
تقول والدته زغلوان "ابني -رحمه الله- ملتزم بالصلاة في المسجد.. وهو شاب رائع ومشهود له بأخلاقه. فوجئت صباح الخميس الماضي باتصال من أحد أقاربي يطلب مني العودة من عملي في الداخل المحتل لان ابني قد استشهد. صمت قليلا وقلت "إنا لله وإنا إليه راجعون". لا شك كان موقفا صعبا وصادما لكنني أحمد الله على تقديراته".
ويضيف "وقوف أهل القرية إلى جانبنا خفف عنا كثيرا، لكن عندما شاهدت حال الشهيد حينما وصل المستشفى تأثرت. هؤلاء جيش إرهابي ومجرم. من يطلق النار على فتى من مسافة قصيرة ويصيبه بأكثر من 10 رصاصات في وجهه وصدره وينكل به مجرم ، ومن يصمت على ذلك مجرم أيضا".
أما والد الشهيد عازم فحاله ليس بأقل من غيره، لا يجد ما يقوله، غير أنه يردد دوما كلمة "الحمد لله".
يقول "كغيري من آباء الشهداء ربيت ابني بدموع العين -كما يقولون- وكم كنت أفرح وأنا أراه يكبر أمام عيوني. كنت أتحدث مع أمه كثيرا عن مستقبله، لكن محمد -رحمه الله- كان يفكر في شيء آخر مختلف تماما".
والد الشهيد لا يستبعد قيام الاحتلال باختطاف نجله وصديقه ونقلهما إلى داخل المستوطنة المجاورة وقتلهما، والادعاء بأنهما حاولا تنفيذ عملية فدائية.
ويحمل الشهيد لبيب اسم عمه الاستشهادي لبيب أنور عازم الذي كان من أوائل الملتحقين بكتائب القسام بعد تعرفه إلى الشهيد المهندس يحيى عياش، وشكل معه أول خلية عسكرية سرّية في نابلس، وهو الذي فجر نفسه بحافلة وسط "تل أبيب" بتاريخ (24/7/1995)، وقتل سبعة مستوطنين وأصاب أكثر من أربعين.
معاناة كبيرة
القرية تعد من بين المواقع والقرى الفلسطينية المستهدفة من قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه على حد سواء، إذ تصاعدت اعتداءاتهم عليها خلال هذا العام.
كما سبق للاحتلال أن أعلن عن مخططات لتحويل معظم أراضي القرية الجنوبية والغربية لصالح النشاطات الاستيطانية بمستوطنة "شفوت راحيل" ومستوطنة "عيلي" ومستوطنة "كيدا" الجاثمة على أراضيها.
وتبعد قريوت عن نابلس 24.5كم، ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة آلاف نسمة.. وتبلغ المساحة الإجمالية للقرية 22,473 دونماً منها 75% مناطق "ج" حسب اتفاق أوسلو.
ويحد القرية من الشمال قريتي قصرة وتلفيت، ومن الشرق قريتي دوما وجالود، ومن الغرب قريتي اللبن الشرقي والساوية، ومن الجنوب قرى ترمسعيا، سنجل، المغير، التابعة لمحافظة رام الله.
ويقام على أراضي القرية مستوطنات (متسبيه راحيل، شيلو، عيلي – ايلي)، ويسكنها نحو أربعة آلاف مستوطن، وتقدر المساحات المصادرة من أراضي قريوت لصالح المستوطنات 2,227 دونماً، عدا عن ضياع 435 دونماً لصالح الطرق الالتفافية التي تربط المستعمرات بعضها، التي يبلغ طولها 4,358 متراً.