19.45°القدس
19.3°رام الله
18.3°الخليل
24.5°غزة
19.45° القدس
رام الله19.3°
الخليل18.3°
غزة24.5°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

حماس بين التحدي التجديدي ومواجهة الواقع الموضوعي

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

إنّ انطلاقة حركة مقاومة وطنية فلسطينية في الربع الأخير من القرن الماضي، وبإرادة وطنيّة خالصة، وبقرار شعبي محض، وفي الداخل الذي يمارس فيه الاحتلال كلّ ألوان الاستعباد والقهر.. لم تكن غير خُطواتٍ تسير باتجاه المستحيل، هذا ما كان يمكن أن يعبّر عنه كلّ المراقبين..!

فكيف لحالةٍ وطنيّةٍ أن تنشأ في ظلّ ظروفٍ طاردة أو على أقلّ تقدير هي مُقيّدة تماماً لتخلق كيانًا يناوئ الاحتلال في مكان منشئه، ومن رحم الواقع الذي شكّله بعد عقود من اغتصابه للأرض، والتعبئة الموجّهة بالخطأ للإنسان الفلسطيني الذي تبقى من الشعب متمسكاً بترابه والحياة على ثرى وطنه مهما كانت التكلفة باهظة..؟!

ولكن كان لهذه الحالة الوطنيّة أن تشقّ طريقاً لوجودها عبر مسارات صعبة وشاقة، وأن تحقق ذاتها في مخاض عسير وصعب؛ تتشكّل منها حركة مقاومة وطنيّة ضاربة جذورها إلى حيث معينها القيمي الذي جاء برسالة سماوية مهيمنة ودعوة نبوية متممة وخاتمة.

(2)

غير أنّ حركة حماس في كل مرحلةٍ من مراحل تخلّقها وتطوّرها قد مرّت باختبارات وجودٍ قاسية ومؤلمة، على صعيديها "الدّاخلي والخارجي" أو ما يمكن أن يطلق عليه "الذّاتي والموضوعي" سواء بسواء.

فعلى صعيدها البنيوي (الذّاتي) الدّاخلي هي في مخاضٍ مستمر جرّاء تطورها المتسارع وارتقائها المتصاعد، وهذا ما يستلزم عمليتين متناقضتين في ظاهرهما ولكنّهما متكاملتان في حقيقتيهما، وهما "الهدم والبناء".

نعم، هدم ولكن لأجل البناء وبناء في سبيل الارتقاء، والتحدي في هذا المضمار كبير وخطير؛ لأنّه يكمن في درجة القناعة، وحالة الوعي بين أفراد التنظيم، وقد تجد أنّ أكثر من يقاوم عمليات التغيير والارتقاء من الأشدّ حرصاً وإخلاصاً والأكثر تضحية، ولكن كثيراً ما تكون رحمة الطبيب مترحمة في مبضعه ومشرطه..

فهؤلاء يرون في كلّ ممارسة قديمة وفي كل ما هو موروث أصيل، فلا يجب تجاوزه أو تغييره، فالعمل التنظيمي يصبح وكأنّه طقوس شعائرية متعبدٌ بها، وقد يتضاعف في شدته لدى القوى ذات المرجعية الدينية.

فإذا ما تغلب هذا التوجه "الماضوي" على حالة التطور والارتقاء وسيطر على مقاليد القرار.. فإنّه سيخلد بالتنظيم- وإن كان طليعيا- مقبرة الوجود الفاعل ويبقيه ذكرى للذاكرين ولا يبقى غير التغني بالماضي التليد، فتتجاوزه الوقائع والأحداث المستجدة، هي "سنة عمرانية ماضية".

(3)

ومن إرهاصات وجود هذا المنحى التنازلي نحو السقوط والهاوية، سيطرة التخوف من القادم المجهول، والنظر إلى كل جديد بأنّه شاذ وإلى ما يخرج عن المألوف بأنّه نشاز..

وتصبح نظرية "المؤامرة" هي التفسير المعتمد لكل الأحداث والإجابة عن كل التساؤلات، وليس من مسلك إلا العودة إلى الوراء أو الهروب إلى الأمام من خلال البحث عن آليات تؤمن ذلك الهروب، وإذا ما استحكمت ظروف المواجهة فليس أمام هذه العقليّات إلا أسلوب "المحاولة والخطأ" الذي يهدر الطاقات ويبدد الإمكانات في غير مسارها..

وقد يُكتشف ولكن متأخراً وبعد تعذر الاستفادة بأنّ ما كان يُرى شاذاً ونشازاً ووصم بالمؤامرة، كان يُمكن أن يكون فرصة ثمينة لو أُحسن التعامل معها، وعُمل على التّهيؤ من قبل لاستقبالها وأُعدّ لتوظيفها.

لعلّ هذا التّوصيف تتكرر مشاهده في كثيرٍ من المواقف والحالات التي نمرّ بها، أو نراها في حركات وطنيّة كان لها يوماً ما صولة وجولة..

(4)

ولا غرو أن يكون ذلك، ونحن لا زلنا نُعايش كثيراً ممن يرى في استشراف المستقبل وقراءته وفي معالجة فرضياته وتقرير سيناريوهاته، وكأنّه ضرب من الخيال ورجم بالغيب من مكان بعيد..

وقد يظنّه البعض شعوذة أو ما كان يصطلح عليها بـ (الكيمياء) التي تتعارض مع مفهوم التوكل على الله وحسن الظّن به.

ولكنّ النظر بعين التجرد والموضوعية يجد أنّ أكثر القوى في الحركة الوطنية لم تصمد أمام استحقاق هذا التحدي "التجديدي" المستمر؛ فتردّت في المجهول.

وذلك؛ بعد أن عجزت عن الاستجابة لمتطلبات الواقع، والإجابة الصحيحة على الأحداث المستجدة بكفاءة وفاعلية، في حين تجاوبت قوى ولكن كان تجاوبها يأتي متأخراً؛ فتضيّع بذلك الكثير من الجهود في غير محلها وتهدر فرصاً ليس من السهل تكرارها.

أما عند النظر إلى واقع استجابة حركة حماس لمتطلبات التحدي التجديدي (الارتقاء) فإنّ كلّ مراقب منصف يجدها سابقة في هذا الشّأن بالقياس للقوى الأخرى، وإن كان ذلك يتفاوت في مسارات دون غيرها.

فقد تجد تطوراً واضحاً لها في بنية العمل العسكري وكذلك الأمني وإن بدرجات متفاوتة، وهذا ما ينعكس أثره بشكل واضح وجلي في الميدان.

غير أنّ تطور منظومات العمل في مجالات أخرى وهي الفكر والدّعوة والسياسة والإعلام والاقتصاد.. لا زالت في مراحل تخلقها الأولى، وإن كانت الدرجات متفاوتة بينها إلا أنها جميعاً في مستويات متواضعة، وإن أظهرت بعض الإضافات والتراكمات إلا إنّها لم تتجاوز الزيادة الكميّة في الغالب ولم تُحدث فتحاً مهماً كما ظهر في الجانب العسكري والأمني في الكيف والجوهر.

وهذا حقيقة ما يظهر حالة من عدم التوازن والتكامل في المواقف وتعثر الخطوات في حسم القضايا المصيرية المفاجئة وما يظهر من فجوة في المواقف بين الساحات والأذرع داخل الكيان التنظيمي.

(5)

أمّا التحدي الذي يفرضه الواقع الخارجي أو الموضوعي فهو لا ينفصل في جوهره بحال عن التحدي الأول الداخلي الذاتي، بل كل منهما انعكاس للآخر وتربط بينهما علاقة جدليّة وأخرى سببية وكذلك علاقة المؤثر في الأثر.

فالتحدي الخارجي الذي يواجه حركة حماس خصوصاً والحركة والوطنية الفلسطينية عموماً وهي تسلك سبيل الخلاص والحرية، إذ تعترضها عقبات كؤود (عدو متجبر ومحيط عربي انقسم في أغلبه بين الخاذل أو المتخاذل).

وأكثر من ذلك تجد أنّ الذي تولى أمرها ينكفئ على ذاته يتخوف من قوة المقاومة وتصاعدها إذ يجد في قوتها تهديدا لمصالحه وبقائه.

غير أنّ الحركة الوطنيّة الفلسطينية بكل أطيافها وفي مقدمتها حركة (حماس) وقوى المقاومة المسلحة قد تخطّت كثيراً من العقبات، واجتازت تحديات كبيرة وقطعت مراحل متقدمة في رحلة ارتقائها وتصاعدها.

فإنّ ما أنجزته هذه القوى مجتمعة وفق خطوات مُقدّرة قد تشكّل منه واقعاً سياسياً استطاع الصمود والمواجهة لكل محاولات إنهائه؛ فأجهض نتائج حروب عدوانية كبرى ثلاث وحصار لا زال يتواصل للسنة العاشرة.

بل استطاع هذا الواقع المقاوم في قطاع غزة أن يحول دون تمرير مشاريع هزيلة بعدما جرّته كارثة (أوسلو) وما تبعها من صفقات كرست الاحتلال وأطالت في عمره.