9.45°القدس
9.21°رام الله
8.3°الخليل
14.74°غزة
9.45° القدس
رام الله9.21°
الخليل8.3°
غزة14.74°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: هل تُلغى كرة القدم؟

هذا فصل جديد في كتاب «العبث»، أكثر الإصدارات رواجا بعد ثورة 25 يناير. إذ انضافت مشكلة الناديين الأهلي والمصري إلى قائمة هموم المرحلة. حتى أصبحنا نطالع كل يوم تطورات «القضية» على الصفحات الأولى من الصحف. كأنما أريد لمصر أن تخرج من مرحلة التطرف الديني لتدخل الآن معركة التطرف الكروي. إذ لا فرق بين «ألتراس» المتعصبين لهذا النادي أو ذاك، وبين «ألتراس» الذين جندتهم المنظمات والجماعات الدينية فمن تعلق بناديه وحوّل الولاء له إلى هدف وليس وسيلة لا يختلف كثيرا عمن تعصب لجماعته واعتبرها «الفرقة الناجية» ــ ومن أقسم يمين الولاء والتحيز لناديه ليس بعيدا كثيرا عمن أقسم عين الولاء والطاعة لجماعته. كلاهما ألقى عقله وإرادته وسلمهما إلى «الأمير» في النادي أو الجماعة، واستبدلهما بلغة الجسد أو السلاح. (في صحف أمس السبت 17/3) أن جماهير بورسعيد هاجت وخرجت إلى الشوارع غاضبة بعد صلاة الجمعة لأن النائب العام أصدر أمرا بإحالة 73 من المتهمين في المقتلة التي أعقبت مباراة ناديي الأهلي والمصري. وأن بعض المتظاهرين طالبوا باستقلال بورسعيد عن مصر، كما أن بعض المتطرفين رفعوا علم إسرائيل في تحدٍ أهوج للدولة المصرية «الشقيقة» (وهو ما أدانه واستنكره الداعية السلفي الشيخ محمد حسان في خطبة الجمعة). بل وذهب بعض المتظاهرين إلى مقر مبنى قناة السويس محاولين اقتحامه واشتبكوا بالقوات المسلحة المكلفة بتأمين المبنى. وفى الوقت الذي نددوا فيه بتحقيقات النيابة العامة واتهموها بالانحياز لصالح النادي الأهلي، ندد نادي ضباط الشرطة بالمدينة بحبس 8 من زملائهم وإحالة 3 للمحاكمة. كما أصدر النادي بيانا أعلن فيه أن مجلس إدارته سيظل في حالة انعقاد دائم لحين وصول وزير الداخلية للاستماع إلى وجهة نظر الضباط. وفى الوقت ذاته ذهبت مجموعة من ألتراس النادي المصري إلى مقر محكمة بورسعيد لمنع ترحيل زملائهم المقبوض عليهم من المحافظة، لعدم اطمئنانهم على «سلامتهم» إذا تم نقلهم إلى مكان آخر خارج المدينة. في المقابل أصدرت رابطة ألتراس النادي الأهلي بيانا رحبت فيه بقرار إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات، واعتبرته خطوة جيدة على طريق استرداد حقوق الشهداء، إلا أنها أضافت أن الألتراس سيواصل «ثورته» حتى آخر نقطة دم لديهم (!) وأنهم على استعداد «للتصعيد» إذا ما لاحظوا أن ثمة تخاذلا أو تقصيرا من جانب الجهات المعنية في القضية. هذه ملامح الصورة التي رسمتها الصحف المصرية أمس، والتي أزعم أن أغلبها يدخل في دائرة اللا معقول، حيث يتعذر على العقل أن يستوعبها في أي ظروف عادية. وهو ما يستدعى عدة ملاحظات هي: ● أن بعض التفاصيل التي ذكرت تدخل ضمن الانفعالات التي اعترت بعض الأشخاص، ويتعذر أن تحمل على محمل الجد أو تنسب إلى المجموع. لذلك يمكن أن تعامل بحجمها الطبيعي وألا يهول فيها أو تبرر. أعنى تحديدا ما قيل عن استقلال بورسعيد وعن رفع العلم الإسرائيلي على أرض «المدينة الباسلة». وهو العنوان الذي أبرزته صحيفة «الوفد» على صفحتها الأولى، ومددته على ثمانية أعمدة. ● إنني استغربت إيفاد الشيخ محمد حسان لكي يخطب الجمعة في بورسعيد وأقول «إيفاد» لأن الرجل ما كان له أن يتوجه إلى المدينة المتوترة ويخطب تحت حراسة مشددة في مسجد بجوار مقر النادي المصري إلا إذا كان الأمر مرتبا من قبل الشرطة أو المجلس العسكري. سابقة استعانة بالشيخ حسان في حالة أخرى بدت فيها نذر الفتنة. وليس لدىَّ تحفظ على الاستعانة بالرجل. بل قد يُشكر على ما يقوم به من جهد في مثل هذه الملمات، ولكنني أتساءل أين اختفى دور القوى السياسية الأخرى ولماذا لا نرى أثرا لمنظمات المجتمع المدني. وما تفسير غياب كل تلك الهياكل والإطارات في أزمة المدينة؟ وهل يمكن القول بأن تلك الأحزاب والمنظمات أصبحت مستغرقة ومشغولة بحساباتها وطموحاتها الخاصة، بأكثر من اهتمامها بما يحدث في الشارع المصري؟ ● ما أستغربه أيضا أن المشهد غابت عنه فكرة الدولة واحترام القانون، حتى ظن الغاضبون أن بوسعهم أن يقرروا مجرى التحقيق ومصير القضية ومكان المحاكمة. وحتى وجدنا أن رابطة ألتراس الأهلي «هددت» بالتصعيد (!) إذا سارت القضية باتجاه لا يعجبهم فاعتبروه تقصيرا أو تلاعبا. كما أنني لم أفهم سلوك ضباط الشرطة الذين نددوا بحبس بعض زملائهم الذين شملتهم قائمة الاتهام، ذلك أنهم أولى الناس باحترام قرار النيابة واحترام الإجراءات التي يفرضها القانون، وأخشى أن يكون الدافع إلى ذلك اقتناع بعضهم بأنهم فوق الحساب وفوق القانون، علما بأن قرار الاتهام لا يعنى الإدانة بالضرورة، لأن احتمال البراءة يظل واردا، وهو ما يقرره قرار المحكمة. لقد خرَّبت كرة القدم علاقات مصر والجزائر في السابق، وها هي تخرب العلاقة بين الناديين المصري والأهلي، وأخشى أن تخرب العلاقة بين شعب بورسعيد والقاهريين، الأمر الذي يستدعى إعادة النظر ليس فقط في دوري كرة القدم، ولكن أيضا إعادة النظر في دور الرياضة والرياضيين، وعلاقة الاثنين بالأخلاق وأخشى إذا استمر ذلك التدهور أن نضغط يوما ما لأن نطالب بإلغاء كرة القدم كليا اتقاء لشرورها ودرءا لمفاسدها.