17.77°القدس
17.51°رام الله
16.64°الخليل
22.77°غزة
17.77° القدس
رام الله17.51°
الخليل16.64°
غزة22.77°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

لغز الخروج المفاجئ

فهمي هويدي
فهمي هويدي
فهمي هويدي

أمران شغلا الإعلام الدولي في المنطقة المحيطة بنا خلال الأسبوع الماضي. الأول دلالة الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا والثاني إطلاق مشروع إقامة الفيدرالية الكردية على الحدود السورية المتاخمة لتركيا. الخبران فوجئ بهما الجميع، ولاتزال التعليقات والتحليلات تحاول سبر أغوار كل منهما والآثار المترتبة عليهما في الخرائط الجديدة التي ترسم للمنطقة السياسية منها والجغرافية، وإلى الآن لم يتفق على تفسير مفاجأة الانسحاب الجزئي للقوات الروسية. إذ رغم أن هناك شبه اتفاق على إجابة السؤال: لماذا جاؤوا، فإن السؤال التالي لماذا ذهبوا، حير الجميع الذين لايزالون يضربون أخماسا في أسداس كي يعثروا على إجابة له تقنع الجميع. الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه أغلب التحليلات ان ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعاد تثبيت مكانته كلاعب مهم في الساحة الدولية والشرق الأوسط بوجه أخص، كما أنه أعلن للجميع أن مصير سوريا (قلب العروبة النابض!) أصبح معلقا على قرار موسكو التي صار لها موطئ قدم راسخ في سوريا (قاعدتها البحرية في طرطوس والجوية في حميميم).

فهمنا الأسباب التي دفعت الروس للقدوم، التي كان على رأسها انقاذ نظام الأسد من السقوط (وليس محاربة داعش كما قالوا) ورد موسكو على محاضرة الغرب لها ردا على مغامرتها في أوكرانيا. أما الرحيل المفاجئ فقد تعددت بشأنه التأويلات. أحدها أشار إلى نجاح التفاهمات الروسية ــ الأمريكية حول ضرورة الانتقال إلى الحل السياسي ــ الثاني لوح بضغط موسكو على الأسد الذي عاندها فرفض فكرة الفيدرالية التي دعت إليها ولجأ إلى انتخابات تشريعية في منتصف الشهر المقبل. الثالث ربط بين القرار وبين الأزمة الاقتصادية التي واجهتها روسيا بعد انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى خفض الموازنة العسكرية خصوصا أن تكلفة القوات الموجودة في سوريا قدرت بثلاثة ملايين دولار يوميا. الرابع أرجع قلق الرئيس الروسي إلى توجسه من قرار الرئيس الأمريكي نشر قوات قتالية دائمة على طول دول البلطيق وأوروبا الشرقية المتاخمة للحدود الروسية... إلخ.

أسباب الرحيل المفاجئ ستتضح أكثر خلال الأسابيع المقبلة. لكن أصداءه وتداعياته تبلورت إلى حد كبير، أحدها وأهمها أن مصائر العالم العربي خرجت من يديه، بالتالي فإن القرار العربي لم ينتقل من دول الماء إلى دول النفط كما ادعى البعض، ولكنه انتقل بالكلية خارج المنطقة بأسرها. (ثمة كلام عن أن التفاهم الأمريكي ــ الروسي حول الملف السوري يمكن أن يشمل اليمن في مرحلة لاحقة). أما الانتقال الأول المشار إليه فهو لم يغادر التجاذبات والصراعات المحلية التي تستمد القوة فيها من القدرات المالية وتستثمر فيها أجواء الفراغ السياسي المخيم.

إلى جانب ذلك فهناك أطراف في المنطقة رحبت بالرحيل وأطراف أخرى أقلقها ذلك، إذ لا يشك أحد في أن تركيا على رأس المرحبين، وإيران بدرجة أقل. وبعدهما السعودية ثم الأردن وداعش. ذلك أن الوجود الروسي المكثف أزعج الأتراك وقيد مشروعهم حركتهم، كما أنه تسبب في توتير العلاقة بين أنقرة وموسكو خصوصا بعد إسقاط الأتراك للطائرة سوخرى. فضلا عن الوجود الروسي منع الأتراك من تنفيذ فكرة المنطقة الآمنة التي أرادت أن تقيمها داخل الحدود السورية المتاخمة لها. السعودية أراحها الرحيل أيضا لأن الوجود الروسي أضعف الأمل في إزاحة الرئيس الأسد طوال الأشهر الخمسة الماضية على الأقل، كما أنه أوقف تقدم قوى المعارضة السورية التي تؤيدها الرياض. إيران أراحها ما جرى أيضا لأن روسيا نافستها على الأراضي السورية ووضعت حدودا لحركة حزب الله. ثم إن التنسيق الإسرائيلي مع الروس سبب حرجا شديدا لها. أما الأردن فإن وجود الروس وغاراتهم على حدودها الشمالية سببت صداعا مستمرا لعمان التي ما تمنت أن تمتد شرارات المعارك إلى حدودها. وحل لها الرحيل الإشكال. أخيرا فمما لاشك فيه أن جماعة «داعش» كانت من المرحبين أيضا لأن الغارات الروسية قلصت نفوذهم وطموحاتهم واضطرتهم إلى الانسحاب إلى الجنوب السوري.

الذين أقلقهم الرحيل ثلاثة أطراف. الأول النظام السوري الذي خسر أحد داعميه الرئيسيين خصوصا أن وجود الروس جدد أمل النظام في البقاء والاستمرار. الثاني إسرائيل التي اعتبرت أن الروس كانوا مصدر اطمئنان لهم، كما أنهم حالوا دون تمدد نفوذ إيران وحزب الله على الأراضى السورية. (الرئيس الإسرائيلي رويين ريفلين التقى بوتين في موسكو للاتفاق على ترتيب الوضع على الأرض بعد الانسحاب الروسي). الطرف الثالث الذي أضير من الانسحاب هو أكراد سوريا الذي مكنهم الروس من التمدد على الحدود التركية لتأسيس فيدرالية شجعتها موسكو وأيدتها واشنطن، وشكل الطيران الروسي غطاء لهم افتقدوه.

ليس لدى العواصم العربية أى إجابة على السؤال: ماذا بعد، لأن «أهل الذكر» في الموضوع باتوا موزعين بين موسكو وواشنطن. وما علينا إلا أن ننصت إلى الإذعان ونطالع الأخبار الواردة من العاصمتين في صحف الصباح، مع ذلك فإنني لا أشك أن الإجابة الصحيحة الوحيدة التي يمكن اعتمادها تظل لدى الشعب السوري المدهش، الذي لم يتنازل عن حلمه رغم كل ما جرى طوال السنوات الخمس التي خلت.