19.45°القدس
19.3°رام الله
18.3°الخليل
24.5°غزة
19.45° القدس
رام الله19.3°
الخليل18.3°
غزة24.5°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

متى ستضحك وجوهنا للرغيف السخن؟

ديمة طهبوب
ديمة طهبوب
ديمة طهبوب

على الأغلب الأعم فإن العرب طابعهم الخشونة والرزانة، باستثناء شعب أو شعبين كانوا قبل سيطرة الاستبداد على حياتهم يمتازون بخفة الدم ورقة الطباع كخرزة زرقاء ترد عنا العين والسمعة السيئة في خارطة الغلظة العربية الممتدة.

أهي أوضاعنا الحياتية القاسية التي طبعت أخلاقنا ومحيانا بالقسوة والتجهم؟ وإذا كان المال والأعمال هما فقط ما يرسم البسمة على الوجوه فلماذا تثبت الدراسات أن الشعوب العربية الثرية هي الأكثر كسلا ومرضا؟!

وكثير من دول العالم كانت تعاني ما نعانيه من الفقر والحرب، ولكنها وجدت في نفسها رغبة في الحياة السعيدة، وأن يكون غدها أفضل من أمسها ويومها، بل إن الشعوب الأوروبية تحديدا تجعل من السعادة سببا أساسيا في الحياة الطيبة التي يجب توفيرها للإنسان كجزء من حقوقه الأساسية، فقد خلص تقرير السعادة العالمي World Happiness Report الصادر عن مؤسسة الأرض the Earth Institute، بالتعاون مع جامعة كولمبيا الى أهمية السعادة في تحسين حياة الإنسان، ووجوب عناية الدول والحكومات بها، وتم تصنيف الدول بحسب توفيرها لأسباب السعادة، وجاء العرب كالعادة في ذيل القائمة.

وأكد التقرير أن الغنى ليس فقط السبب الرئيسي للسعادة، وأن هناك عوامل أخرى كالتنمية والقضاء على الفقر، والحفاظ على البيئة والإدماج الاجتماعي والحكومة الديمقراطية والحرية، والقيم والدين والصحة النفسية والجسدية والتعليم ونوعية العمل.

وجاء في التقرير أن 68% من المستطلعين في العالم قالوا إن الدين يشكل شيئا مهما في حياتهم، وإنه سبب للسعادة، ويساعد على تجاوز الأزمات.

في واقعنا العربي قد يبدو الأمر مثيرا للسخرية، ففي الوقت الذي لا تبدو فيه حياة المواطنين نفسها ذات أهمية، يبدو تحقيق السعادة فضلة وترفا ورفاهية لا يحصلها إلا من يملك ثمنها! فحكامنا يرون الحياة فقط دون نوعيتها منة ومكرمة يعطونها لمن شاؤوا، ويسلبونها مَنْ لا ينال الرضى! ولو طبقنا معايير الدراسة وتوفرها في بلادنا لأدركنا أننا نستحق درجة التعاسة والشقاء بامتياز، ولو عرفنا فكتور هيجو لكتب في البؤس العربي ملحمة فاقت كل بؤسائه الفرنسيين.

فهل نؤجل أحلامنا بالسعادة في الدنيا كسلا وجبنا ولقلة حيلتنا دون الآخرة؟! ألم يقل ابن تيمية إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة؟

الدنيا دار إعمار وبناء لإقامة شرع الله فالحرية والعدالة من أعمدة حكم الإسلام، وهذه لا تأتي الا بخير وسعادة، وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنها عندما قال «الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار غنى لمن تزود منها، ودار نجاة لمن فهم عنها، فهي مهبط وحي الله ومصلى انبياء الله، ومتجر اولياء الله ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة».

لا يمكن أن نؤجل حياتنا للآخرة فقط، ونعيش دنيانا بنفسية القبوريين، بل نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ونتخذ منها مزرعة للآخرة، وباباً للعبور الى السعادة الحقة، وقرة العين التي لا تنفذ والتي قال عنها الامام ابن حنبل عندما سئل: «متى يجد العبد طعم الراحة فأجاب: عند أول قدم يضعها في الجنة»، ان الزهد في السعادة من قلة الإيمان والفهم، فمن طبيعة الدين أنه نزل لجعل السعادة عادة، ونمط حياة، ورفعاً للشقاء، بل إن الأوراد اليومية مسنونة صباحا كأول الأعمال بعد الصلاة ومقصودة بذاتها للعلاج من مضادات السعادة، ولذا قال الدكتور خالد الدريس: «عندما يستعيذ المسلم في أوراده اليومية من الهم والحزن كأنه يدعو: أطالب بحقي في البهجة وأستعين بك ربي على استيفاء هذا الحق»، وكمال هذه الدعاء بالتعوذ من العجز والكسل دلالة على أن السعادة أمر عملي لا يمكن أن تطلبها وتتوقعها دون أن تعمل لها

بمعايير الشعوب المتحضرة نحن بائسون، فهل يستمر حالنا على ما هو عليه، ام يكون الدين والقيم هما الرافعة للعمل والتغيير فيكون صلاح الدنيا جزءا من صلاح الدين، فالسعادة ليس معنًى مجردا وشخصيا، إنما حقيقة واقعة قابلة للتطبيق اذا وجدت أسبابها.

بلغنا الدرجة الثمانين في تصنيف السعادة، ومن يبلغ الثمانين يسأم، فهل نسأم حقا من الإيمان في حقنا بالسعادة، حقا انسانيا واجبا، وليس فضلة ولا منة؟

هل حقا ما زال على هذه الأرض ما يستحق الحياة بسعادة؟ هل نتعذر بأحوالنا البائسة ودمائنا المسفوحة وحرماتنا المستباحة وكرامتنا المهدورة لمزيد من الإحساس بالعدمية، أم نحاول أن نضرب معولا في قلب الظلام، والانهيار و الهزيمة فلدينا كل البشرى بأن القادم أفضل، ولكنه لا يأتي الا بالعمل والكد.

لا يكفي أن تفتح فمك للهواء وأن تبسط شفتيك على مصراعيها، أو تفتعل ابتسامة جوفاء للصورة، السعادة إيمان داخلي وصناعة حياتية وشغف بالاستمرار الى أن يأتيك اليقين، اضرب المعول في صخرة اليأس والخذلان والكسل ينفلق لك ولغيرك طود السعادة، وتتفجر ينابيع الاستبشار بإذن الله.