أطنان من نبات "العكوب" الشوكي -دون مبالغة-، دخلت إلى مدينة نابلس خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووجدت من يبتاعها، رغم أن سعر الكيلو "المعكب" -الخالي من الشوك- قد وصل في بداية الموسم لـ60 شيكلا، أي نحو 15 دولارا.
والعكوب، نبات جبلي كثير الأشواك، يبدأ موسمه من أواخر الشتاء إلى بداية الربيع، وهو غالي الثمن نظرا لصعوبة "تعكيبه" أي تنظيفه من الأشواك.
الهوس بهذه الأكلة وصل حد أن بعض العائلات تخزنه لطهيه في كافة أيام السنة، كما أن بعض العائلات النابلسية يصبح عندها العكوب وجبة يومية، حتى على مائدة الفطور، بعد قليه مع البيض.
تقول أم محمد -ليس إسمها الحقيقي- إنها نشات في عائلة تحب الأكلات الموسمية، وتحديدا العكوب.. "فوالدي كان يشتري "شوال عكوب".. (به 30 كيلو غرام على الأقل)، لتقضي أمي وجدتي وعماتي، أياما بل وأسابيع في تعكيبه، إي إزالة الشوك عنه.. ولكن أن تتخيل في ذلك الوقت كان المقص أو السكين بدائي، ولا ننتهي من ذلك إلا والدماء والجروح والندبات ملئت أكفنا وأصابعنا".
ويقول خبراء التغذية إن العكوب غني بالفوائد الصحية، إذ يحتوي على مركب السكر الخماسي، إضافة إلى احتوائه على نسبة عالية من فيتامين "أ" والمفيد للوقاية من مرض العمى الليلي، كما أن العكوب غني بالمغنسيوم والألياف التي تخدم بشكل كبير مرضى السكري، وخال من العناصر الدسمة، ويفيد مرضى القولون العصبي والإمساك المزمن ويساعد على الهضم وطرح السموم من الجسم.
ويطهى العكوب بشكل أساسي مع اللبن، ويمكن قليه مع البيض.. وتضعه بعض العائلات مع المقلوبة. كما أن العكوب ورد في الأمثال الشعبية الفلسطينية بالقول "عكوب ما عكبت، وخبيزه ما بقلت، وبدري ما روحت".
وعن ذلك تقول أم محمد "إنها تستمتع بطهيه وأكله، ومعظم أفراد عائلته يعتبر العكوب وجبته المفضلة.. وهي تتفنن في صنع الطعام منه".
وتتابع "أكلة العكوب أكلة ملوكية، لا اطبخها إلا للضيف العزيز والغالي على قلبي تكريما له.. وفي أول يوم في شهر رمضان من كل عام اطبخ العكوب باللبن، وأحيانا مقلوبة العكوب، لذا نخزن كل عام قرابة 40 كيلو عكوب ليكون متوفرا طيلة أيام السنة".
مصدر رزق
أما أبو أمجد صاحب محل وسط نابلس، يحضر يوميا نحو عشرين شوالا منه، ولا يحل المساء إلا وقد باعها كلها..
يقول إن بعض الزبائن يشتري العكوب بشوكه، أما الغالبية فتفضل شراءه من غير شوك، لذا يلجأ لأسر تبحث عن عمل للقيام بهذه المهمة مقابل مبلغ مالي.
ويشرح ذلك بقوله "الكيلو بشوكه يباع ما بين 10-20 شيكل، لكن عندما يكون نظيفا يصل سعره لخمسين وستين شيكلا،، وهذا الفرق اتقسامه بيني وبين من يعمل على إزالة الشوك عنه".
ويضيف "عندي عائلات متفق معها منذ سنوات على القيام بهذا الأمر، وأرسل لها كل يوم "شوالات عكوب"، وفي المساء أذهب لإحضاره جاهزا.. بعض الأسر تعمل الأم فقط، لكن الغالبية يشترك الزوج والأولاد في مهمة التنظيف، وبالتالي تجني الأسرة مبلغا قد يصل لـ200 شيكل يوميا".
مخاطرة تستحق
أما عن جنيه، فهناك أيضا عوائل تخصصت في هذه المهمة. والعكوب الموجود في نابلس له عدة مصادر، أبرزها لك الذي ينمو فوق جبل عيبال، القريب من بلدة عصيرة الشمالية، كما ياتي من منطقة الأغوار، والخليل.. ولكل نوع سعره وفق جودته وقلة السيقان فيه.
تقول أم احمد من بلدة عصيرة الشمالية إنها "منذ بداية موسم العكوب تصعد للجبل برفقة بعض النسوة، وتجنيه، وتبيعه أحيانا بشوكه وأحيانا بعد تقليمه وتنظيفه.. الذهاب لهناك مغامرة ومخاطرة نظرا لوجود نقطة عسكرية لجيش الاحتلال.. لكن لقمة العيش تجبرنا على الصعود ثانية للجبل وجني العكوب وبيعه".
أما أم إبراهيم من سلفيت، فتقول "أجمع أكبر قدر من العكوب، وبعد تنظيفه من الأشواك أذهب به إلى السوق لأبيعه، فهو مصدر رزق لي ولعائلتي، ويرغب كثيرون في شراءه، صحيح أن مهمة جمعه وتنظيفه متعبة وغالباً مؤلمة، فالعكوب نبات شوكي وأشواكه القاسية غالبا ما تصيب أيدينا، ولكن بعد أن نرى نتاج تعبنا ننسى ذلك الألم وكأنه لم يكن شيئا".
تشاركها جارتها في ذلك، فتشير إلى أن "مهمة تنظيف العكوب ليست سهلة فهي بحاجة إلى صبر، ونحن نقضي وقتا غير قصير، أحيانا يستغرقنا تنظيف ما يقرب 7 كيلو من العكوب ساعتان من الزمن، ونحاول أن نقضي هذا الوقت بتبادل الأحاديث".