18.57°القدس
18.25°رام الله
17.19°الخليل
23.67°غزة
18.57° القدس
رام الله18.25°
الخليل17.19°
غزة23.67°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

المشهد الوطني الفلسطيني في ظلّ التحوّلات الإقليمية الجديدة

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)

لعلّه تآكل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وسقطت الصورة الحضارية التي طالما تغلف بها هذا النفوذ الاستعماري الجشع، بعد أن عملت جاهدة أجهزة صناعة الرأي العام لديه الإعلامية منها (CNN) وصناعة السينما (هوليوود) على إصدار سجل أمريكا خاليًا من أي احتلال في منطقة الشرق الأوسط، مع أنّها الدّاعم الأكبر للاحتلال الصهيوني الجاثم على الأرض الفلسطينية؛ فهذا الوهم تبدد سريعًا عقب احتلالها أفغانستان مع مطلع الألفية الثانية، الذي لحقه بسنتين احتلال آخر في العراق، وقد شهدت الساحتان جرائم يندى لها جبين الإنسانية، تكثفت في سجني (باغرام) و"أبو غريب"، وكان الأسوأ معتقل (غوانتانامو).

وأسوأ من كل ذلك ما خلّفه هذا الاحتلال الغاشم من واقع سياسي (ميلشياتي) استنبت النزعات المذهبية والتعصب الإثني والتفرق المذهبي، بكل ما في ذلك من خبث وانحدار انتهازي إمبريالي.

(2)

وأمام هذا المشهد الذي استمرت فيه دائرة سفك الدماء تدور بين أبناء الشعب الواحد، وتحرق النار كل أخضر ويابس انسحبت القوات الغازية _وإن شكليًّا_ من تلك الساحتين، تاركة وراءها واقعًا يزداد سوءًا وتعقيدًا مع كل مطلع شمس وغروبها.

وهذا ما ترك فراغًا تحركت فيه أطماع كثيرة، أولها وأخطرها الكيان الصهيوني الذي زاد من وتيرة الاستيطان في الضفة الفلسطينية، والتهويد لكل المعالم الحضارية في مدينة القدس، واستمر في محاصرة قطاع غزة للسنة العاشرة على التوالي، إضافة إلى تنصله (الكيان العبري) من كلّ الالتزامات التي توجبها عليه المواثيق الدّولية كونه محتلًّا تجاه الشعب الفلسطيني الرازح تحت نيره.

غير أنّ هذا التغول الصهيوني قد قابله اشتعال نار انتفاضة ثالثة في مدن الضفة المحتلة والقدس، ولكنّ المؤسف أنّه يجري على قدم وساق محاصرتها بتعاون وثيق وفاعل بين قوات الاحتلال وأجهزة التنسيق الأمني التي تخشى انهيارها وخنقها، إذا لم تقم بواجب وجودها الذي فرضه الاحتلال في أزلام المقاطعة عبر الامتيازات الشخصية، وواقع التقسيمات الإدارية والأمنية هناك.

(3)

نعم، لقد شهد الإقليم نتيجة هذا العبث الأمريكي الجشع تآكل منعة الدّول القُطريّة القائمة على حدود سياسية استعمارية (سايكس بيكو)، أمام حق رغبة الشّعوب في التغيير والإصلاح نحو حرية وعيش بكرامة وعدالة اجتماعية، من جهة، الذي قابله من جهة أخرى إخراج التّطرف والإرهاب من قمقمهما بعدما حِيكا بعناية، لمزيدٍ من العنت والإفساد، ولتكريس واقع التّخلف العربي في أسوأ صوره وأرداها.

وذلك لتظهر الحركات الإصلاحية التي قادت ثورات الربيع العربي مع بدايات العقد الأول لهذا القرن أنّها من يتحمّل جريرة هذا الإفساد، الذي هتّك النسيج المجتمعي القائم على التنوع الثقافي والعرقي والديني.

(4)

وفي هذه الواقع العربي المتداعي الذي انفرط فيه العقد المجتمعي، لاسيما في الأقطار الكبرى (العراق ومصر وسوريا)، وإن بدرجات متفاوتة، وهدّد بالانفراط في لبنان والسودان وغيرهما، واشتعل الصراع في ليبيا واليمن؛ ظهر جليًّا على مسرح صناعة الأحداث في الأقطار العربية "المشروع الإيراني" القائم على إعلاء النزعة العرقية الفارسية، التي تعادي القومية العربية عداء لا يمكن أن يُخفيه الاكتساء الديني المذهبي (الشيعة الجعفرية- الاثنا عشرية).

وهذا ما زاد من تعقيدات المشهد والتجييش الطائفي في الساحة اللبنانية والعراقية والبحرينية ابتداءً، ثم ظهر بقوة في ساحة الصراع السوري واليمني.

وقد زادت قوة وفاعلية هذا التوجه في المشروع الإيراني بهذا الوضوح الإثني الطائفي بعد توقيع إيران الاتفاق مع الدول الكبرى، بشأن برنامجها النووي الذي أعطاها منحها شرعية لما تقوم به من أدوار في الإقليم، وأزاح أغلال الحصار عنها وفك تجميد أموالها المودعة في البنوك الدولية.

وكانت قد نشطت إيران من قبل في محيطها العربي تحت غطاء ديني في مواجهة نفوذ الشيطان الأكبر (أمريكا)، ومشروعها الاستعماري في المنطقة العربية (الكيان العبري)، وذلك بدعمها المطلق لمنظمة حزب الله اللبنانية، ومد يد العون لكثير من الفصائل الفلسطينية التي لأكثرها فضل من قبل على الثورة الإيرانية بتدريب قياداتها، إذ تقاطعت مصلحتاهما في إسقاط حكم الشاه الذي كان حليفًا إستراتيجيًّا للكيان الصهيوني.

فإنّ إيران في لحظة معينة وجدت نفسها تملأ الفراغ وتشغل الشغور الحاصل في الإقليم، في ظلّ انشغال أو تشاغل دول عربية عدة بما كانت تعتقد أنه عدّوها الأول، ما سمي "الإسلام السياسي" الصّاعد في دول الربيع العربي عبر صناديق الاقتراع، وتعد جماعة "الإخوان المسلمون" عموده الأساس.

وهو (الإسلام السياسي) الذي يتقاطع إلى حد كبير مع توجهات السياسة القَطرية في المنطقة، ومع المشروع حزب العدالة والتنمية التركي الذي يقوم على عودة تركيا قوة إقليمية فاعلة، تحمل رسالة الشرق إلى الغرب ورسالة الغرب إلى الشرق، وتتطلع إلى العالمية من بوابة الإسلام بمعناه الحضاري القائم على التنوع الإثني والمذهبي الذي يتعايش مع الديانات الأخرى على مبدأ "لا إكراه في الدين".

(5)

وفي لحظة تحوّل تاريخية عقبت تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة العربية السعودية بعد رحيل سابقه أخيه الملك عبد الله شهد هذا الانتقال تغيرات كبيرة في مفاصل الحكم، كشفت تغيرات جذرية كبيرة وعميقة في قراءة المشهد الإقليمي والدولي في ظل المتغيرات الجديدة وبفعل التغيرات الكبيرة الجارية فيه.

وهنا برز التهديد الإيراني خطيرًا إذ بدا متحالفًا مع قوى دولية كبرى أبرزها روسيا الاتحادية، وتحايدت قوى غربية كانت ترى الجمهورية الإيرانية دولة مارقة، لتجد المملكة السعودية أنّ حصارًا إيرانيًّا قد أوشك أن يلفها من كل جهاتها، ولاسيما بعد بسط الحوثي سيطرته على كلّ اليمن بالتحالف مع الرئيس المخلوع على عبد الله صالح الذي كان حليفًا سابقًا للمملكة.

وهذا ما دفعها بقوة إلى الاستناد إلى المشروع التركي والالتحاق بالتوجهات القطرية، لخلق معادل إستراتيجي قوي في مواجهة حالة الهيمنة الإيرانية التي تداعت أمامها عدة عواصم عربية هامة، وتقاطعت معها عواصم أخرى، منها خليجية.

إنّ هذا التوجه _وإن ألجأت إليه المصالح المشتركة أو الضرورة أو المبادئ أو غير ذلك_ ليوجب استحقاقات هامة، أولها: الانتقال بـ"الإسلام السياسي" من جبهة العداء إلى دائرة الحلفاء كما هو الواقع في اليمن، وإعادة النظر في أهمية احتضان حركة المقاومة الإسلامية حماس ورقة رابحة في هذا التوجه الحضاري، وعدم التفريط فيها بأي حال لمصلحة الجبهة الأخرى.

وهذا ما سيدفع إلى تسويق حماس إقليميًّا دوليًّا أنها حركة تحرر وطني، وأن ذراعها العسكرية ورجالها ما هم إلا مقاتلون من أجل الحرية، ولاسيما بعد بسط النفوذ السعودي على جمهورية مصر التي أوشك اقتصادها أن يتداعى؛ فقد شهدت الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي توقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية وأخرى سيادية.

أجل، ستشهد السّاحة الفلسطينية حراكًا متزايدًا نحو اصطفاف وطني جديد قائم على مراعاة ترتيبات الإقليم، وفق قائمة المصالح المشتركة بين المشروع التركي والتوجهات السعودية الجديدة التي التقت بالتمام مع القراءة القطرية للمشهد الإقليمي.