18.64°القدس
18.44°رام الله
17.75°الخليل
24.42°غزة
18.64° القدس
رام الله18.44°
الخليل17.75°
غزة24.42°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

تهويد القدس سياسة إسرائيلية فوق تفاوضية

هشام منور
هشام منور
هشام منور

القدس خط أحمر لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي (معشر المتطرفين والعلمانيين الإسرائيليين على حد سواء)، لا يمكن لأي حكومة _مهما تمتعت بالشعبية أو التأييد البرلماني_ أن تقوم بأي عمل من شأنه المساس بهذه المدينة.

مساعي الاحتلال الإسرائيلي لتهويد مدينة القدس لم تتوقف منذ أيام الاحتلال الأولى بعد نكسة حزيران (يونيو) في عام 1967م، فقد قام بالعديد من الحفريات بحثًا عن موجودات أثرية تدعم الأساطير اليهودية، ومع أن العمليات الأولى للاحتلال في هذا السياق شملت تدمير حي المغاربة وسوق المغاربة عند حائط البراق، وإقامة ما يُسمّى ساحة "حائط المبكى"، وكانت ظاهرة للعيان، لكنها رافقتها نشاطات أخرى تحت ستار حملات التنقيب الأثرية فوق سطح الأرض، وحملات تنقيب أخرى تحت سطح الأرض، بقيت طيّ الكتمان.

تقرير موسّع لصحيفة (هآرتس) عن "المدينة السفلى" للقدس _وهي مدينة بحسب تعبير معدّ التقرير نير حسون_ يحاول التسويق لوجود مدينة "خالية من العرب والمسلمين وآثارهم التاريخية التي تهود بمجرد العثور عليها والاصطدام بها، إلى درجة أن الحمام المملوكي الذي عُثر عليه تحت الأرض أُطلق عليه اسم: "الرحلة إلى أورشليم"، أما الخان المملوكي الذي يقع خلف حائط البراق فقد حوّل إلى قاعة.

إن التقرير يشير إلى أن المحاولة الوحيدة للحفر تحت المسجد الأقصى كانت عام 1981م، عندما طالب حاخام ما يدعى "حائط المبكى" يهودا مائير غيتز في ذلك الحين بفتح كوّة في سور الأقصى الغربي، بحثًا عن "ألواح العهد القديم"، لكن عمليات البحث لم تكشف شيئًا، وهنا يلفت التقرير إلى أن ذلك دفع حكومة الاحتلال إلى سدّ الكوة ووقف أعمال التنقيب تحت المسجد الأقصى، وهو أمر تنفيه دائرة الأوقاف الإسلامية والحركة الإسلامية في الداخل، التي تحذّر دائمًا من عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى.

يلقي تقرير (هآرتس) الضوء على ما يصفه بأنه مدينة كاملة تحت الأرض مكونة من الأنفاق والممرات السرية، والفضاءات الجوفية التي تحولت إلى قاعات للصلاة، ومتاحف وقاعات عامة، وكلها _بحسب تعبير حسون_ "يهودية، وخالية، لا ترى فيها عربيًّا أو مسلمًا أو مسيحيًّا".

نقطة التحول الرئيسة في سياسات الحفر والتهويد التي يتبعها الاحتلال تحت الأرض تعود عمليًّا إلى أيلول (سبتمبر) 1996م عند فتح ما يُسمّى "نفق الهيكل" رئيس بلدية الاحتلال بالقدس آنذاك إيهود أولمرت، في حضور عرّاب تهويد المدينة إيرفينغ موسكوفيتش، برعاية رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، في ولايته الأولى.

 

كل ذلك مرتبط بالنشاط الاستيطاني الهائل لجمعية (إلعاد)، وما يُسمّى في هذا السياق "الحديقة التوراتية"، التي يعكف الاحتلال على تطويرها في سلوان، جنوبي البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وتنطلق الحفريات عمليًّا من موقع داخل الحي التوراتي في سلوان، باتجاه ساحة البراق، ومنها تتفرّع عمليات الحفر والتنقيب، لتصل أيضًا إلى الأحياء الإسلامية داخل البلدة القديمة، بمحاذاة "درب الآلام" (فيا دو لوروزا)، حيث المخرج الشمالي لنفق البراق، في باب الواد، الذي أُعلن فتحه في عام 1996م، وأدى ذلك إلى اندلاع انتفاضة النفق حينذاك.

أربع جهات إسرائيلية أساسية أوجدت "القدس الباطنية" تحت الأرض، وهي: "سلطة الآثار الإسرائيلية"، وشركة "تطوير شرقي القدس"، و"صندوق تراث حائط المبكى"، وجمعية (إلعاد) الاستيطانية، التي حصلت إلى غاية الآن على تمويل وتبرعات من جهات مختلفة، بينها جهات حكومية رسمية، لتمويل مشروع الحديقة التوراتية في سلوان.

يتضح من المخططات التي نشرت أخيرًا أن النية تتجه في نهاية مشروع الحفر والتنقيب والبناء المرافق لهما إلى الوصول إلى وضع تكون فيه تحت البلدة القديمة من القدس شبكة من الأنفاق والممرات والقاعات، التي يعثر عليها وتحول إلى أماكن عامة، على أن يستأجرها كبار المتبرعين اليهود، أي مّمن تبرّعوا بـ36 ألف دولار فأكثر، لإقامة طقوس دينية مثل طقوس (بار متسفا) للفتية اليهود، عندما يبلغون سن التكليف بالفرائض الدينية اليهودية، وهي قاعات بات بعضها جاهزًا للاستخدام، وتقع تحت بيوت فلسطينية في الحي الإسلامي، وصل إليها بالحفر من "مواقع يهودية"، يسيطر عليها المستوطنون.

تبدو السياسة الإسرائيلية المستفيدة من حراك الربيع العربي للتعتيم على مشاريعها الاستيطانية في القدس المحتلة، بعد إشغال العرب والمسلمين بمشاكلهم الداخلية؛ في سعي حثيث إلى تدشين عصر جديد من تاريخ المدينة وتزويره بعد نزع السمة الإسلامية المسيحية عنه، وتزييفه بالوجود اليهودي استباقًا لأي مفاوضات بشأن مستقبل المدينة، ومن غير المستبعد أن نستيقظ يومًا لنجد المدينة برمتها قد هودت في ظل عدم مبالاة تيارات سياسية فلسطينية مصرة على التفاوض مع الاحتلال، سياسية عربية لم تعد القدس قبلتها الأولى.