مريضة مسنة على كرسيها المتحرك ترتسم على وجهها وجع الانتظار منذ ساعات الفجر الأولى زيادة على آلام مرضها، وعلى الناحية الأخرى طاعن في السن على كرسيه المتحرك أيضًا بجوار زوجته التي تضم طفلها إليها وما فتأت تذرف دموعها تعبيرًا عن المعاناة، وطفل أنهكه التعب فأغمض عينيه على حقيبة السفر، هكذا بدت الصورة داخل صالة أبو يوسف النجار.
وضجت صالة انتظار المسافرين أبو يوسف النجار وسط مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة بالمئات منهم، عسى أحدهم ينال أبسط حقوق حياته في التنقل للعلاج أو للتعليم أو يجدد إقامته، وتصغي آذانهم بكل ترقب إلى مسجل الصوت الذي ينادي على الأسماء المدرجة في قوائم السفر لتصعد إلى حافلاتها لتتوجه إلى معبر رفح البري بعد الإعلان عن فتحه استثنائيًا يومي الأربعاء والخميس بعد إغلاق دام 85 يومًا متواصلًا.
تتكرر المشاهد كل مرة على بوابات المعاناة والانتظار داخل معبر رفح البري، وعلى مدار سنوات طويلة من الحصار على قطاع غزة تتجدد ذات تعبيرات الألم المرسومة على الوجوه، وهي نفسها كلمات الوجع المتأوهة بمناشداتها بلا حلٍّ نهائي يريح المواطن الغزي الذي يرى أن يومين غير كافيين لإنهاء المعاناة في ظل اقتراب شهر رمضان وعيد الفطر.
معاناة المرضى
تجلس إحدى المسافرات المريضات على كرسيها المتحرك بجوار حقيبتها تنتظر سماع اسمها للصعود إلى الحافلة لتسافر إلى القاهرة لتلقي العلاج، وقالت خلال حديثها ل"فلسطين الآن" أنها تنتظر معبر رفح البري منذ أكثر من أربعة أشهر.
وأضافت المريضة التي تسكن مدينة غزة: "أنا مريضة قلب ومعي انزلاق في فقرات الغضاريف وضغط وتآكل في عظم الركب وكسرت مؤخرًا، وأريد أن أسافر على القاهرة لتلفي العلاج، وأنتظر من الفجر في هذه الصالة".
"معاناة في التاريخ لم تحصل من قبل، هذه ليست عيشة هذه ليست حياة، يفضل الإنسان الموت ولا الحياة، لأن الإنسان عند ربنا ولا عند عبيده، عيشة ذل في ذل"، بكل ألم تحدثت الحاجة المريضة بهذه الكلمات.
واعتبرت أن يومين غير كافيين لأعداد المسافرين المحتاجين للسفر، مطالبة الجانب المصري بالتسهيل والتيسير على الناس، متسائلة:"لماذا تعيش الناس هذه المعاناة، نحن عرب ومسلمين مثلهم، وطول عمرها مصر حاضنة الشعب الفلسطيني؟".
وتجلس مريضة أخرى من سكان مدينة خانيونس على مقاعد الانتظار وبجوارها عكازها، وعبرت لـ"فلسطين الآن" عن اشتداد الألم عليها خلال ساعات الانتظار منذ الفجر وعدم تمكنها من تناول دوائها، وأوضحت أنها أصيبت بجلطة دماغية أكثر من مرة وتعاني من آلام في عينيها وأقدامها، مطالبة الجانب المصري بالتخفيف من هذه المعاناة.
المصريون ينتظرون
لم تغب معاناة إغلاق معبر رفح المستمرة عن المواطنين المصريين العالقين في قطاع غزة عدا عن الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية المصرية ومعظم عائلاتهم في الجانب المصري.
المواطن عبد الرحيم شراب والذي يحمل جنسية مصرية ويسكن مدينة الإسماعيلية، أوضح أنه عالق في قطاع غزة منذ تسعة أشهر وهو ينتظر معبر رفح، منوهًا أن الجانب المصري سيدخل اليوم حافلتين من حاملي الجنسيات المصرية،
وكانت طلبت السلطات المصرية بإدخال حافلتين من أصحاب الجنسية المصرية قبل البدء بإدخال حافلات المسافرين الأخرى، كما أفادت وزارة الداخلية.
وقال المواطن شراب: "حالنا في غزة صعبة جدا، ونحن نأخذ من أهالينا الأموال ونصرفها بلا أي عمل أو شغل نقيم في أمور حياتنا، والوضع سيء جدا"، مضيفًا:" تواصلنا مع الجالية المصرية وقالوا سندخلكم، واليوم أخذوا حافلتين مصريين، ونأمل أن ندخل غدا"، وطالب الجانب المصري فتح معبر رفح وتسهيل سفر المواطنين لكل الدول وينظروا إلى قرب شهر رمضان وعيد الفطر.
وبكل حرقة أبدت المواطنة عزيزة إسماعيل مصرية الأصل استياءها من إغلاق معبر رفح المتكرر، وقالت:"بدي أسافر، لي ثلاث سنوات أريد السفر ولا أستطيع، والدي توفي ولم أشاهده، وهل تريدون أن تتوفى والدتي دون أن أراها وهي الآن مريضة وعمرها 80 عاماً".
وأعلنت السلطات المصرية عن فتح معبر رفح البري استثنائيًا يومي الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع بعد إغلاق استمر 85 يومًا متواصلة، ولم تقم بفتحه سابقًا منذ بداية العام سوى ثلاثة أيام.