نحو عشرون عاما، منها 15 عاما متواصلة، قضاها الأسير المحرر محمد صبحة القيادي في حركة "حماس"، في سجون الاحتلال الإسرائيلي..
قبل أسبوع واحد فقط، تنفس صبحة الحرية لتفاجئه الجماهير التي أحبته بحفل استقبال غير مسبوق، ولم تعشه الضفة الغربية منذ عقد تقريبا.. ورغم كل المنغصات التي حاولت أجهزة الضفة خلقها، إلا أن الآلاف حملوا صبحة وساروا به في شوارع بلدته عنبتا في محافظة طولكرم، بعد أن زيّنوها بصوره ويافطات ترحب به، بعد طول غياب.
اعتقل صبحة عام 2001، برفقة معتصم سمارو وهو من طولكرم أيضا وأفرج عنه قبل عام، وحسام البسطامي من نابلس الذي مكث 11 عاما، وأفرج عنه عام 2012..
خلال هذه السنوات تنقل صبحة -الذي كان يشغل منصب رفيعا في الكتلة الإسلامية بجامعة النجاح بنابلس-، بين عدة سجون، وأمضى سنواته الأخيرة في سجن "مجدو".. وترأس الهيئة القيادية العليا لحركة حماس في السجون لعدة سنوات.
كما أنه يتمتع بعلاقات طيبة جدا مع كافة الفصائل الفلسطينية، ويعد من أصحاب الفكر المستنير والمستشرف للمستقبل.
بالكاد، تمكن محمد -وهو نجل الأستاذ المرحوم ناجي صبحة أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين- من الحديث معنا، لانشغاله الدائم باستقبال المهنئين وحديثه مع مختلف وسائل الإعلام، ما جعله مرهقا جدا.
مراسل "فلسطين الآن"، التقى صبحة وتحاورا حول أوضاع الأسرى في السجون الإسرائيلية، وعلاقة الفصائل ببعضها البعض هناك.. إضافة لقراءته للحالة الفلسطينية وما وصلت إليه جراء اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي.
محاولة للاندماج
لكن قبل هذا، سألنا القيادي عن شعوره بعد كل هذه السنوات في غياهب السجون، فأوضح لنا أن "كل ما حوله تغير، فكثير من كبار السن من جيرانه وأقاربه توفاهم الله، كما أنه لم يستطع التعرف على معظم الشبان الذين جاءوا للسلام عليه، إذ أنهم كانوا صغارا حين اعتقله الاحتلال".
وتابع "أنا أعيش في أجواء جديدة عليّ، وأحرص على الأخذ بملاحظات من حولي، حتى لا أقع بالمحظور".
عقبات وصعوبات
ويؤكد صبحة أن "أوضاع الأسرى متقلبة جدا، وغالبية الأوقات تكون صعبة، فالأسير يعاني الويلات، يحاول أن يقاوم ما يتعرض له من ظلم.. يسعى لأن يوفر لنفسه ظروف حياة كريمة".
وأضاف "خرجت من سجن مجدو، الذي تحسنت ظروفه كثيرا في الآونة الأخيرة، سواء في الطعام والفورة، ومع هذا يبقى التوتر سيد الموقف".
"بالمقابل تعيش سجون "نفحة" و"إيشل" و"ريمون" في حالة ترقب شديد، وإدارة السجون تباغت الأسرى دوما.. وتحاول أن تنقض على إنجازاتهم التي حصلوها لأمعائهم الخاوية وتضحياتهم على مدار سنوات طويلة"... يقول صبحة.
يشرح أكثر قائلاً "الأسرى في سجون الاحتلال دائما في صراع مستمر مع إدارة مصلحة السجون التي تحاول بين الحين والأخر سحب منجزات الحركة الأسيرة والتضييق عليهم، وهم يحاولون دائما التصدي لتلك الإجراءات القمعية بشتى الوسائل، وعلى رأسها الإضرابات عن الطعام كخطوة متقدمة في المواجهة".
وأوضح أن "الأسرى استطاعوا في الآونة الأخيرة توحيد صفوفهم وحراكهم من أجل تفعيل خطواتهم ضد إجراءات قمعهم والنيل من حقوقهم، ونجحوا في تحقيق بعض المنجزات"، وجدده ما قاله بأن "واقع الأسرى صعب، لكنه يبشر بخير في ظل دعم المقاومة لهم".
ونقل الأسير المحرر رسالة الأسرى في سجون الاحتلال، قائلا "رسالة الأسرى إلى شعبهم أنهم صامدون وأنهم يواجهون غطرسة السجان، لكن في الوقت ذاته هم بحاجة إلى أن تكونوا معنا وأن تشعروا بشعورنا وتقفوا وتتضامنوا معنا وأن تنصرونا وأن تسعوا إلى أن نكون خارج السجون".
الأسرى والانقسام
وقال صبحة إن "السجن هو انعكاس للمجتمع، ولا شك أن الأسرى يدركون حساسية الأحوال في الخارج، لذا كنا متباعدين وأقصد الفصائل، لكنني مؤخرا وقبل الإفراج عني زرت عددا من الأقسام لبقية الفصائل وشيدنا جسورا ووضعنا وثيقة وطنية فيها مناحي ايجابية، واستطعنا أن نوحد حساباتنا في "الكانتينا" بشكل جزئي، وأن تكون هناك مراسلات يومية وتعميمات تصدر باسم اللجنة الوطنية العامة التي تضم كل الفصائل".
وشدد على أن هذه الخطوات لا علاقة لها بأوامر من الخارج، بل وصل المعتقلون إلى نتيجة بضرورة إلغاء أي خلافات على الأقل في سجون الاحتلال. وفقد قفزنا قفزة نوعية في حفل الاستقبال ودعينا الجميع لمتابعته، وهذا تطبيق لما كنت أدعو إليه وأنا أسير.
سيرة عطرة
وولد صبحة في بلدة عنبتا عام 1974م، ونشأ في أسرة إسلامية مجاهدة، حيث تربى في كنف المساجد وحضن الإخوان المسلمين .
توفي والده الأستاذ ناجي مصطفى صبحة، المحاضر السابق في جامعة النجاح الوطنية، وأحد رموز ومؤسسي الحركة الإسلامية في فلسطين، وعضو مجلس الشورى العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، في عام 2004م بعد رحلة عطاء لدينه ووطنه .
التحق محمد بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية عام1994م، حيث أظهر قدرات عقلية وقيادية مميزه، أهلته بأن يكون أحد أعضاء مجلس اتحاد الطلبة، ونائبا لرئيسه الذي اعتقلته قوات الاحتلال بعد عشرين يوماً من حسم الكتلة الإسلامية انتخابات المجلس عام 1995م، وفي عام 1997م انتخب رئيسا للمجلس، وكان أحد مؤسسي اتحاد رؤساء مجالس الطلبة في فلسطين وأول رئيس له.
إيواء المهندس
بعد عمليات الثأر المقدس لمجزرة الحرم الإبراهيمي، طارد العدو محمد بتهمة إيواء المهندس القسامي الأول يحيى عياش، إذ اضطر للاختفاء عن الأنظار، إلى أن تمكنت أجهزة الضفة من اعتقاله، بعد إطلاق النار عليه واقتحام حرم جامعة النجاح في 20/4/1996م، ومكث في معتقلاتها مدة سبعة أشهر.
وبعد استشهاد المهندس الثاني في كتائب القسام محيي الدين الشريف، أقامت الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية حفلا تأبينيا له، حيث أطل محمد صبحة على الجماهير باللباس العسكري، معلناً الحقائق حول استشهاد الشريف، على الرغم من تهديد السلطة له.
واعتبرت السلطة المهرجان التأبيني وإعلان الحقائق، بمثابة تحد لها وتشكيك في مصداقيتها، أو حتى تكذيب لروايتها حول استشهاد الشريف، فما كان منها إلا أن حاصرت جامعة النجاح عام 1998م، مطالبة باعتقال محمد صبحة وعلاء حميدان، حيث وقعا في قبضة الأمن الوقائي إلى جانب 44 اسبرا- غالبيتهم من حركة حماس- في سجن جنيد العسكري لمدة 25 شهرا .
عمله العسكري
كان واضحاً من سيرة محمد الحافلة بالمواقف الجهادية، أنه رجل لا يعرف الاستكانة، فقد لاحقته قوات الاحتلال بعد عمليات الثأر المقدس، بتهمة إيواء المهندس يحيى عياش، واعتقلته السلطة الفلسطينية عام1996م.
وفي بداية انتفاضة الأقصى لم يستطع محمد أن يسكت على جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبه وأهله، فالتحق بكتائب القسام ليرد الظلم عنهم، فخاض الاشتباكات وزرع العبوات.
وفي عام 2000م اعتقلته أجهزة الضفة لمدة شهرين على خلفية المعركة القسامية البطولية التي خاضها الشهيد محمود أبو هنود مع وحدة "الدوفدوفان" الإسرائيلية.
أديب وكاتب
وتزخر مكتبة الأدب المقاوم بكتب القيادي محمد مع إسداله الستار عن اعتقاله، إذ ألف وأصدر أول سلسلة له، وكانت تحت عنوان "نحو وعي فلسطيني مقاوم" وحوت أربع كتب.
والكتاب الأول هو "أمن المطارد"، ويتحدث عن تعريف المطارد وسماته المثلى، وأهم سبل تحقيق الأمن له لتحويل نقاط ضعفه إلى نقاط قوة يؤذي بها عدوه.
وكتاب حرب العصابات بين النظرية العلمية والتطبيق الفلسطيني: وهي دراسة يسعى من خلالها الكاتب إلى إلقاء الضوء على أبرز تجارب (حرب العصابات الحديثة) وإجراء مقارنة سريعة بين النظرية العملية لهذه الحروب والتطبيق الفلسطيني لقواعدها.
وكذلك كتاب "صفحات من جهاد أبناء القسام بجزأيه الأول والثاني": وهو كتاب يجمع فيه الأسير قصص هؤلاء الأبطال من شهداء وأسرى، وكل ما قدموه من تضحيات لا يعرف بعضها أبناء الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أبناء الشعوب الأخرى. وختم السلسلة بكتاب " الخيانة سرطان الشعوب".
ثم أتبعها بسلسلة أخرى بعنوان "نظريات في عمليات المقاومة" تحوي كتباً ثلاثة في أشكال المقاومة وعناوينها: "صناعة الحياة" و"بارود القسام " و"براكين المقاومة". كما أصدر كتاب دليل الأسير.